يتكون الجسم البشري من تريليونات الخلايا. وتعرف خلايا الجهاز العصبي بالخلايا العصبية أو العصبونات. القشرة المخية، المعروفة أيضًا بالمادة الرمادية، هي الغلاف الخارجي لفصي المخ وتحوي عددًا هائلًا من الخلايا العصبية.
ترسل الخلايا العصبية الحسية معلومات من المستقبلات الحسية – مثل البشرة والعينين والأنف واللسان والأذنين – إلى الجهاز العصبي المركزي. وقد اكتشفت دراسة أجراها علماء الأعصاب في جامعة نيويورك ومعهد لانجون الطبي التابع لها نوعًا متخصصًا من الخلايا العصبية في الجزء الخارجي من القشرة المخية تُعرف بـ«العصبونات المعبرة عن السوماتوستاتين». تؤدي هذه الخلايا دورًا رئيسيًّا في تمرير المعلومات إلى المخ عندما يكون يقظًا.
وقد أجريت التجارب على الفئران والجرذان نظرًا لوجود أوجه تشابه كثيرة بين مخها ومخ الإنسان. وأظهرت الدراسة أن نشاط العصبونات المعبرة عن السوماتوستاتين يتغير عندما تتغير حالة شوارب الحيوانات من السكون إلى الحركة، فيما يعرف بعملية الخفقان. اكتشف الفريق أن القشرة تحتوي على مجموعة متنوعة من الفئات الفرعية للعصبونات المعبرة عن السوماتوستاتين يستطيع كلٌّ منها الوصول إلى طبقات مختلفة من القشرة. وتعمل بعض هذه الفئات، في حين يتوقف البعض الآخر أثناء عملية الخفقان. فخلال هذه العملية، تختار العصبونات المعبرة عن السوماتوستاتين إما السماح وإما الحول دون تمرير المعلومات إلى المخ بطريقة تساعد الحيوان على القيام بحركات مُرشَدة.
يقول بيرناردو رودي، أستاذ علم الأعصاب والفسيولوجيا بمعهد لانجون، وهو باحث رئيسي في الدراسة: «تساءلنا لفترة طويلة حول كيفية قيام القشرة المخية بالتعامل مع خطوط سير معلومات مختلفة تأتي من مناطق مختلفة في المخ أو من مناطق أخرى في القشرة المخية ودمجها معًا، وكذلك كيفية تصنيف أي معلومات تتعلق بأي لحظة ما». وأضاف: «نحن الآن نعرف أن العصبونات المعبرة عن السوماتوستاتين تعمل بمثابة لوحة مفاتيح تتحكم في خطوط سير المعلومات».
ويشرح رودي أن العصبونات الموجودة في القشرة المخية معروفة بأداء أدوار أساسية في الإدراك الحسي وتكوين الذاكرة والتعلُّم. ولكن، كانت هذه المرة الأولى التي نلاحظ فيها أنها تعمل مثابة لوح تحكم في القشرة المخية. وسيحسن هذا الاكتشاف الهام من فهم العلماء لكيفية تعامل المخ مع الحواس. وكذلك قد تسرِّع هذه الاكتشافات الأبحاث التي تجرى على العلاجات الدوائية للأمراض التي تؤثر في الحواس؛ مثل الزهايمر وانفصام الشخصية والتوحد.
ويشير العلماء إلى أن اكتشاف استجابات الفئران المختلفة إلى الخفقان يُعدُّ مثالًا نموذجيًّا لدراسة نشاط الخلايا العصبية أثناء اختلاف حالات عمل المخ. تعدُّ شوارب الفئران والجرذان أهم أعضائها الحسية؛ فهي تستخدمها لفهم ما يحيط بها ولإرشاد تحركاتها في الظلام. وضع الفريق مسبارات داخل أدمغة الفئران، وقد مكنهم هذا من تحديد نشاط العصبونات المعبرة عن السوماتوستاتين المترابطة مع الخلايا العصبية الأخرى وتسجيله بدقة.
وباستخدام هذه الآلية الجديدة، ستكون الخطوة التالية هي تحليل نشاط تلك العصبونات وغيرها من أنواع الخلايا العصبية الموجودة في القشرة المخية أثناء سلوكيات أكثر تطورًا وتعقيدًا؛ وذلك بهدف فهم دورها في معالجة المعلومات الحسية في المخ.
المخ البشري خزانة تعج بالألغاز وها هي تكشف أسرارها تدريجيًّا لعالم العلوم.
المراجع
psychologytoday.com
www.sciencedaily.com