هل فكرت يومًا كيف تميِّز عقولنا الأصوات والحديث؟ لم تتم إجابة ذلك السؤال إلا عندما قام فريق بحثي بجامعة كاليفورنيا سان فرانسيسكو بدراسة – نشرت بدورية «ساينس» (Science) – أن عملية تشكيل الأصوات التي تقوم بها أعضاء النطق تترك «أثرًا سمعيًّا» يتتبعه المخ، تمامًا مثلما تتتبع الرادارات السفن.
تحليل الحديث إلى سمات سمعية
ولدراسة هذه الظاهرة، قام الباحثون بوضع أجهزة تسجيل عصبية على أسطح أمخاخ ستة مرضى كانوا يخضعون لجراحات في المخ. وقد أتاح ذلك لهم الفرصة لتسجيل التغيرات السريعة التي تحدث في المخ. وهكذا، جمَّع الباحثون بيانات من خلال الاستماع لخمسمائة جملة إنجليزية مختلفة ينطقها أربعمائة شخص، وذلك بعد تسجيلها من منطقة في المخ تُسمى «التلفيف الصدغي الأعلى»، والتي أثبت في دراسة سابقة أنها تلعب دورًا في إدراك الحديث.
افترض كثير من الباحثين أن خلايا التلفيف الصدغي الأعلى تتجاوب مع كلِّ صوت مفرد، والمعروف باسم «الفونيم»؛ مثل /ب/ في كلمة "باب". غير أن فريق جامعة كاليفورنيا زعم أن المخ مبرمج بدقة لإدراك عوامل أبسط للأصوات، والمتعارف عليها بين علماء اللسانيات باسم «السمات»؛ حيث يتجاوب التلفيف الصدغي الأعلى للسمات السمعية المتعلقة بطريقة إنتاج كلٍّ من الأصوات في المسالك الصوتية. «نتيجة لذلك، عندما نستمع لأحدهم يتحدث، فإن مناطق مختلفة بأمخاخنا تستجيب لتسلسل السمات الصوتية التي ينتجها».
كيف يميز المخ الحديث؟
«السمات» – بمفهوم علماء اللسانيات – هي بصمات سمعية مميزة عن بعضها، تُنتج عندما يحرِّك المتكلم شفتيه، أو لسانه، أو أحباله الصوتية.
على سبيل المثال، الأصوات الساكنة التالية، (/ﭖ/، و/ت/، و/ك/، و/ب/، و/د/) تتطلب أن يزم المتحدث شفتيه أو لسانه؛ ليعيق مرور الهواء القادم من الرئتين. وعندما يتم تسريح الهواء بعد ذلك، فإنه يندفع خارجًا، ولذلك تصنف هذه الأصوات على أنها أصوات "انفجارية". وتصنَّف بعض الأصوات الساكنة الأخرى، مثل (/س/، و/ز/، و/ف/، و/ﭪ/) على أنها أصوات «احتكاكية»، وذلك لأنها تُنتج عن طريق مرور الهواء من خلال قناة ضيقة يصنعها اثنان من أعضاء النطق عندما يقتربان من بعضهما.
وهكذا، فإن نطق كلٍّ من الأصوات الانفجارية يخلق نمطًا مشتركًا بينه وبين أعضاء فئته الأخرى، تمامًا مثل الاضطراب الذي يحدثه نطق الأصوات الاحتكاكية. وتذكرنا اكتشافات الفريق عن التلفيف الصدغي الأعلى المتعلقة بالتعرف على السمات – بنظام الإدراك البصري للأشكال والحواف، والذي يجعلنا نتعرف على أشكال الأشياء، مثل الزجاجات، بغض النظر عن منظور رؤيتنا.