يعد العقل – على الرغم من صغر حجمه – أكثر أعضاء الجسم تعقيدًا؛ فهو يعد مركز الجهاز العصبي لدى جميع الفقاريات ومعظم اللافقاريات. مع ذلك، فلم تكن أحجام عقولنا دائمًا على حالها؛ فعندما بدأ البشر مواجهة التغيرات البيئية وتطورت أحجام أجسامهم، تطورت أحجام عقولهم أيضًا.
ولكن ما حير العلماء كان السؤال عما تطور أولًا؛ هل العقل ككل أو المناطق الكبرى فيه؟ فأجريت دراسات أشارت تقاريرها إلى أن تطور حجم العقل وقدراته وتكويناته لدى معظم الفقاريات نتجت عن حجم أكبر للعقل ككل. وقد أجريت الدراسات على ثمانية وخمسين نوعًا من الطيور المغردة، فتبين أنه عندما تطور لها عقل أكبر، تطورت المناطق التي تتحكم في الفم والمنقار والتغريد بحيث صار لها قدرات إضافية.
ويمكن تطبيق هذه النظرية أيضًا لفهم التطور البشري؛ حيث تفترض أن حجم العقل الأكبر يتطور أولًا ليسمح بعد ذلك بتطور مناطق في العقل تتحكم في وظائف محددة مثل القدرات اللغوية. يقول ديفوجد، أستاذ علم النفس بجامعة كورنيل «يعتقد معظم علماء الأعصاب أنه لا يوجد شيء مميز في الطريقة التي تطورت بها عقولنا، ولكن ما علينا فهمه هو المبادئ التي تكمن في تطور العقل بصفة عامة، وهذا هو مضمون الدراسة».
يعتقد العلماء أن العقول الأكبر حجمًا لا تعني أن كل شيء أكبر، ولكنها تعني تطوُّر مناطق معينة بصورة أبطأ وعلى فترات أطول. وتؤدي تلك العملية إلى زيادة تطور قشرة المخ؛ وهي الجزء الذي يتحكم في الذاكرة والإدراك والتفكير واللغة والوعي، كما أنها آخر جزء يتطور لدى الحيوانات والبشر. ناقشت الدراسة نظريتين؛ تقترح الأولى أن هناك أنواعًا وُهبت عقولًا أكبر لحاجتها إلى البقاء حية، في حين تقترح الأخرى أن بعض الأنواع تطورت لديها عقول أكبر ثم مناطق في العقل أكبر لاستخدامها في وظائف معينة معقدة. ولكي يصل العلماء إلى نتائج نهائية، قاسوا أحجام العقول ككل وأحجام ثلاثين منطقة منفصلة تتحكم في السلوك لدى ثمانية وخمسين نوعًا من الطيور المغردة تنتمي إلى عشرين فصيلة.
استخدم العلماء عقول الطيور لأنها أسهل نسبيًّا في الحصول على عينات عن غيرها، كما توجد كثير من البيانات عما تقوم به تلك الأنواع. وكذلك، يسهل رؤية مناطق معينة تتعلق بتلك الوظائف في العقل. على الرغم من ذلك، لاحظ العلماء أنه في بعض الأنواع توجد اختلافات في بعض مناطق العقل تتجاوز حجم العقل الكلي. على سبيل المثال، المناطق التي تتحكم في التغريد كانت أكبر في الأنواع التي تصدر تغريدات معقدة.
وعندما يتعلق الأمر بالبشر، يقول ديفوجد «ما زالت معرفة كيف أصبحنا على ما نحن عليه أمرًا مثيرًا للجدل». ولأن دعم العقل الكبير يتطلب كميات كبيرة من الأكسجين والطاقة، أتى بعض الباحثين بنظرية تنص على أن التغيرات التي حدثت في النظام الغذائي الخاص بأوائل البشر - ويشمل ذلك القدرة على إيجاد طعام عالي الجودة وطهيه - قد سهلت النمو الكلي لعقل البشر من خلال توفير السعرات الحرارية والبروتينات اللازمة.
سيبقى العقل البشري دائمًا متاهة معقدة، يمكننا فقط اختلاس نظرات خاطفة عنها.
المراجع
sciencedaily.com
news.cornell.edu