لقد رأينا جميعًا الصورة الأيقونيَّة المأخوذة من الفضاء لإحدى الأعاصير المدارية: دوامة عملاقة من السحب تتوسطها فتحة صغيرة تُسمى "عين العاصفة"؛ كما سمعنا جميعًا عن التأثيرات المُدمرة للأعاصير المدارية على حياة البشر.
والأعاصير المدارية بشكل أساسي عواصف كبيرة يصل حيزها إلى 900 كم، وتصاحبها رياح شديدة تهب بصورة لولبية صعودًا وهبوطًا بسرعات تتراوح بين 120 و320 كم/ساعة. وعادة ما يستمر الإعصار لفترة تتجاوز الأسبوع يتحرك خلالها بسرعة تتراوح بين 16 و32 كم/الساعة فوق المحيطات المفتوحة؛ وكما يصفها شخص ما، فإن "الأعاصير تكوِّن طاقتها أثناء تحركها فوق المحيطات؛ حيث تمتص الهواء المداري الرطب الدافئ من السطح مطلقةً الهواء البارد عاليًا.
تخيل الأمر وكأن عاصفة تتنفس شهيقًا وزفيرًا؛ حيث تستمر حدة الإعصار المداري في التزايد حتى تختل عملية "التنفس" تلك، وهو ما يحدث عندما يصل الإعصار إلى اليابسة. وعند هذه النقطة، سريعًا ما تفقد العاصفة زخمها وقوتها، ولكن ذلك يصحبه رياح تصل سرعتها إلى 300 كم/ساعة عند المناطق الساحلية. وبمجرد وصول الإعصار المداري إلى اليابسة، فإنه يطلق أمطارًا غزيرة، ورياحًا عاتية، وموجات كبيرة من شأنها أن تدمر البنايات، والأشجار، والسيارات.
وتستمد الأعاصير المدارية طاقتها من مياه المحيطات الدافئة؛ فلا تتكون إلا إذا كانت درجة حرارة المياه 27 درجة مئوية أو أعلى. فيبدأ الهواء الدافئ الرطب أعلى سطح المحيط في الارتفاع سريعًا؛ وبينما يرتفع، يتكثف بخار الماء مكونًا سحب العاصفة. وينتج عن عملية التكثيف حرارة؛ فيسخن الهواء البارد، ومن ثم يرتفع تاركًا مجالاً للهواء الأبرد ليسخن. ومع استمرار تلك الدورة يزداد حجم العاصفة؛ فينتقل المزيد من الحرارة من سطح المحيط إلى الهواء.
تخلق عملية انتقال الحرارة تلك نمطًا من حركة الرياح تدور حول مركز السطح وتُدعى "الرياح المتجمعة"، والتي تتضارب مع بعضها وتدفع المزيد من الهواء الرطب إلى أعلى. ويعزز هذا الهواء المتصاعد الهواء الذي ارتفع فوق السطح بالفعل، مؤديًا إلى زيادة سرعة دوران العاصفة ورياحها. وينزاح الهواء الساخن المُنطلق من مركز العاصفة بفعل الرياح العاتية التي تهب بنفس السرعة على ارتفاعات أكبر (تصل إلى 9.000 متر)، مما يساعد على الحفاظ على استمرار حركة الهواء الدافئ من السطح وعلى بقاء العاصفة منتظمة. ويُمتص الهواء ذو الضغط المرتفع إلى مركز العاصفة منخفض الضغط؛ فتزيد سرعة الرياح.
والعواصف العارمة التي تتسبب فيها الأعاصير المدارية تكون وراء أغلب الدمار الناجم عن تلك الأعاصير؛ حيث تهب رياح الإعصار المداري بشكل لولبي حول العاصفة مرارًا وتكرارًا، مما يدفع بالمياه لتتراكم في مركز العاصفة. وبمجرد وصول العاصفة لليابسة، تصبح كتلة المياه هذه شديدة الخطورة؛ حيث تؤدي إلى فيضان بطول الساحل وتأتي بكميات كبيرة من المياه التي ترتطم باليابسة لتجرف أي شيء في طريقها.
وينجم عن الإعصار المداري عواصف عارمة أشد في المناطق التي تنحدر بها المحيطات تدريجيًّا؛ فتؤدي إلى فيضان كبير، وكانت هذه من أكبر المشكلات عندما ضرب إعصار كاترينا الولايات المتحدة الأمريكية في 2005.
في عام 2003، كان إعصار إيزابيل المداري الأكثر كلفة وفتكًا في موسم أعاصير المحيط الأطلنطيَّ. وقد تكوَّن ذلك الإعصار بالقرب من جزر الرأس الأخضر، ثم تحرك شمالاً ووصلت سرعة رياحه إلى 365 كم/ساعة في 11 سبتمبر. وفي ولاية كارولينا الشمالية، اكتسحت عواصف إعصار إيزابيل جزءًا من جزيرة هاتيراس، وبلغ الدمار أَوُجِّه بطول الساحل الخارجي؛ حيث تضررت، بل ودُمرت آلاف المنازل.
كانت أسوأ تأثيرات إعصار إيزابيل في ولاية فيرجينيا؛ حيث وقع أكبر عدد من الضحايا والتلفيات، فقد كانت 64% من الأضرار و68% من الوفيات في كلٍّ من كارولينا الشمالية وفيرجينيا. وقد ظلت بعض المناطق الريفية بدون كهرباء لأسابيع، وأدت الفيضانات إلى خسائر تُقَدَّر بآلاف الدولارات. فقُدِّرت الخسائر على طول مسار إعصار إيزابيل بنحو 3.6 مليار دولار أمريكي.
أما إعصار كاترينا سيئ السمعة فكان أحد أقوى الأعاصير المدارية التي ضربت سواحل الولايات المتحدة الأمريكية خلال المائة عام الماضية. فقد وصلت سرعة رياح هذا الإعصار إلى 200 كم/الساعة، وهو إعصار قوي من الدرجة الثالثة على مقياس سافير سمبسون للأعاصير، وقد بلغ انخفاض ضغط مركزه عند وصوله إلى اليابسة المركز الثالث ضمن الأعاصير المسجلة (920 مليبار).
وقد أدى إعصار كاترينا إلى تخريب واسع النطاق بطول المدن الأمريكية الواقعة بولايات الخليج الوسطى مثل مدينة نيو أورلينز، والتي تلقت الضربة العظمى للإعصار، وتطلب الأمر بعد ذلك جهودًا استمرت لأسابيع وشهور لتعود الأمور إلى طبيعتها. وإعصار كاترينا هو الأكثر كُلفة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث بلغت خسائره 81.2 مليار دولار أمريكي، والأدهى من ذلك، فقد أدى إلى مقتل 1.836 شخصًا.