أصحبت أيام رمضان أشد حرارة وطولًا في السنوات الأخير، مما يشكل تحديًا بالنسبة للمسلمين المتقين الذين سوف يصومون لفترة تصل إلى ما يقرب من 15 ساعة في الحرارة الشديدة، على الرغم من رأي علماء الدين بأن ذلك التحدي سوف يؤدي إلى المزيد من الإيمان بين صفوف الصائمين.
شئنا أم أبينا، يأتي رمضان في الفصول الحارة الآن؛ فخذ حذرك من الحرارة والرطوبة. فإذا أصابك الإرهاق خلال اليوم، فلا تتردد في أن تستريح قليلاً، واحرص على تناول كمية كبيرة من السوائل بعد الإفطار؛ محافظًا على جسمك رطبًا أثناء الليل. حاول أيضًا أن تتجنب الأطعمة المالحة؛ حتى لا تشعر بالظمأ الشديد خلال اليوم التالي، ومن المستحسن تجنب الأنشطة البدنية الشاقة خلال فترة الصيام.
ووفقًا لخبراء التغذية، فإن اتباع نظام غذائي متزن خلال شهر رمضان يكون أكثر أهمية في المواسم الحارة؛ وذلك حتى لا يُحرم الجسم من العناصر الغذائية اللازمة. كما أن الإفراط في الطعام فيما بعد الإفطار، أو تناول الأغذية غير الصحية، يمكن أن يؤثر على الأشخاص خلال فترة الصيام. فوفقًا لأسامة رفيق، الخبير الغذائي، يجب على الأشخاص تجنب الإفراط في الأكل أثناء الإفطار؛ فينبغي أن يتَّبعوا السنة النبوية بالإفطار على تمر ولبن، أو ماء، أو عصير فواكه.
ولقد أضاف رفيق: «بعد الإفطار، تحتاج إلى أن ترفع مستوى السوائل والسكر في الدم لمستوى معقول دون الإفراط في ذلك». ويجب أن تحتوي وجبة الإفطار على قدر كافٍ من الطاقة؛ فيعد التمر مصدرًا ممتازًا للألياف، والكربوهيدرات، والمعادن الأساسية التي تعمل على الحفاظ على مستويات الطاقة مرتفعة. وبعد أداء صلاة المغرب، ينصح رفيق بتناول مقبلات خفيفة مثل الحساء أو المقرمشات؛ حيث تعمل على تجديد الشوارد في الجسم، وهي مهمة لوظائف المخ والأعصاب، كما يمكن أن تساعد المعدة على العمل وتهيئها لوجبة الإفطار.
يدخل الكثير من الناس في حالة من الخمول في شهر رمضان، وغالبًا ما يكون ذلك بسبب تخطي وجبة السحور؛ وهي وجبة ما قبل الفجر التي تسبق الصيام. ووفقًا لرفيق، هذه الوجبة ضرورية للصائمين؛ فيقول: "يمد السحور الصائمين بالطاقة خلال يوم الصيام، ولكن احذروا الإفراط في تناول الطعام".
ويضيف رفيق: "يجب التركيز على الأطعمة التي يتم هضمها بسهولة، والتي تكون غنية بالكربوهيدرات والبروتينات مثل الفواكه والخضروات، إلى جانب تناول كمية كبيرة من المياه. فإذا تناولت بيضة، أو قطعة من الجبن الأبيض على قطعة من الخبز المحمص كامل الحبوب، وشريحة من البطيخ، والزبادي، وكوبين من الماء؛ فهذا يعتبر وجبة سحور مثالية. كما أن الأطعمة مثل الشعير، والقمح، والفاصوليا، والفول، والشوفان، والعدس، من شأنها أن تمدك بالمغذيات لمدة تصل إلى ثماني ساعات؛ أي ما يقرب من ضِعف ما توفره الأطعمة السكرية".
ويجب أن يكون الحفاظ على رطوبة الجسم في أعلى قائمة أولويات أي صائم هذا العام. ففي الأيام الحارة، من الضروري تناول سوائل أكثر من أي وقت آخر في العام، ومع حلول رمضان في هذا الوقت الحار نفقد المزيد من السوائل. ومع ذلك، ينصح رفيق بألا نستسلم لإغراءات تناول الكثير من الماء وقت الإفطار؛ حتى لا ننهك أجهزة الجسم؛ فيقول: "تناول كمية مناسبة من الماء والعصير على مدار الليل بدلاً من ذلك".
نصائح مفيدة
لدى رفيق بعض النصائح لتجنب الجفاف أو الإرهاق خلال الشهر الكريم:
- في الأوقات التي تشتد فيها الحرارة من اليوم؛ أي ما بين الثانية عشر ظهرًا والثالثة عصرًا، حاول البقاء في المناطق الباردة (داخل المباني أو في ظل)، وقلل من الأنشطة الجسدية. استرخ إذا أمكن.
- تجنب الأطعمة المقلية والحارة؛ فيمكن أن تؤدي إلى إصابتك بحموضة أو عسر هضم.
- خلال ساعات الليل، قاوم إغراءات تناول الشاي، أو القهوة، أو المشروبات الغازية. وعندما تزور الأقارب والأصدقاء، تناول كوبًا من الماء.
- بين الإفطار والسحور، يجب تناول الحلويات الشرقية باعتدال، ويفضل أن تقوم بتقديم "الحلو" من الفواكه الطازجة عوضًا عنها، بالإضافة إلى كمية معقولة من المكسرات.
- تناول وجبة السحور قبيل الفجر مباشرةً للحصول على أكبر قدر من الفائدة.
- تجنب الأطباق الدهنية خلال السحور، وتناول الكثير من اللبن.
- قلل مما تتناوله من الأطعمة المالحة والمخللة أثناء السحور؛ حيث إنها تسلب الرطوبة من الجسم.
- حاول البقاء بعيدًا عن الحلويات خلال السحور؛ فيمكن أن ترفع من نسبة السكر في الدم، مما سيجعلك تشعر بالعطش لاحقًا أثناء اليوم.
- قم بتناول كميات مناسبة من الماء على مدار الليل؛ فاجعل هدفك أن تتناول ثمانية أكواب قبل النوم. ولمساعدتك على المتابعة، قم بملأ زجاجة من المياه بكمية معينة معيدًا ملئها عندما تفرغ، وحاول أن تشربها كلها.
- تناول كمية مناسبة من الألياف؛ لتجنب الإمساك.
- تناول الفواكه التي تحتوي على سوائل مثل البطيخ، والعنب، والطماطم؛ فهي تمد الجسم بالكثير من الماء الذي يحتاجه.
- مارس الرياضات الخفيفة مثل المشي لمدة 15-20 دقيقة وخاصة في المساء.
مشروبات موسمية
خلال شهر رمضان يفقد الجسم السوائل، ولتفادي الجفاف خاصةً خلال الوقت الأشد حرًّا من العام، يجب أن يشرب الصائمون كثيرًا بعد الإفطار، وفيما يلي بعض المشروبات الخاصة التي تحظى بشعبية كبيرة لهذا الغرض. ولتحضير المشروبات الباردة باستخدام أية من المكونات التالية، قم بنقعها بدون سكر في الماء البارد، كما يمكن نقع التمر هندي في اللبن؛ لمحاربة حموضة المعدة.
يعد قمر الدين (عصير المشمش) المشروب التقليدي في رمضان، وهو مصنوع من معجون المشمش المجفف. ولقد أشاد الفيلسوف والفيزيائي العربي المعروف ابن سينا بالمشمش المجفف؛ لقدرته على إرواء العطش وعمله كترياق للإسهال.
يعالج قمر الدين عسر الهضم، وينظم عملية التمثيل الغذائي، كما أنه غني بفيتامينات "أ" و"ب" و"ج"، إلى جانب الكالسيوم، والحديد، والبوتاسيوم، والفوسفور. وهو يعد طريقة مثلى لبدء الإفطار؛ حيث يولد ما يكفي من تدفق السكر لتشغيل الجهاز الهضمي دون إثارته بشدة، ولكن احترس من الإفراط في السكريات. كما يقوم قمر الدين بالتخفيف من التوتر العصبي؛ فيكون ممتازًا بعد يوم مرهق من العمل، ويحتوي أيضًا على حمض الفوليك؛ الأمر الذي يجعله مفيدًا للغاية للحوامل.
يحتوي كوب واحد من الكركديه على 17% من حمض الليمون، وما يعادل نصف كمية فيتامين "ج" الموجود في برتقالة واحدة؛ فيساعد على تعزيز جهاز المناعة وتقويته خاصةً أثناء الصيام. كما يستخدم الكركديه بكثرة لتنظيم ضغط الدم، والذي يتقلب ما بين الهبوط أثناء الصيام والارتفاع بعد الإفطار نتيجة لتناول كمية من السكر المركز في وجبة الإفطار.
يعرف الكركديه في المناطق الحارة حول العالم بأنه قاهر للعطش؛ فيقلل من تراكم الترسبات الدهنية في الشرايين، ويخفض من مستويات الكوليسترول في الدم. ويستخدم الكركديه في علاج التهابات المسالك البولية، كما يساعد على تنظيم تدفق الدم، ويعمل على توازن مستوى السكر في الدم داخل الجسم.
أما العرق سوس فهو مشروب معروف في البلدان العربية وخاصةً في مصر وسوريا. وعلى الرغم من أنه لا يستسيغه الجميع، ويعرف أكثر بوصفه نوع من الحلوى عن كونه مشروبًا، فإن العرق سوس يعتبر أحد أكثر الأعشاب النشطة بيولوجيًّا. فبصفته مضادًّا للالتهابات؛ فهو يؤثر على المناعة والجهازين الدوري والتنفسي.
يحارب العرق سوس التعب المزمن؛ حيث يعمل عمل الهرمونات الطبيعية. هكذا يقضي على الكسل عن طريق الاحتفاظ بالسوائل داخل الجسم، مما يقلل من الشعور بالظمأ، ويرفع من ضغط الدم، والذي عادة ما ينخفض خلال فترة الصيام بسبب عدم الحصول على كمية كافية من السكر، كما أنه يحارب فقدان البوتاسيوم.
للخروب أيضًا مذاق خاص، ولكنه يستحق التذوق؛ فهو يقلل من الكوليسترول، ويساعد على الهضم، ويعمل كمضاد للأكسدة. وقد ثبت أن البينيتول مكَوِّن أساسي للخروب، وهو ينظم مستوى السكر في الدم؛ فيُنصَح به مرضى السكري.
ويأتي التمر هندي من شجرة فاكهة إفريقية استوائية، ولكنه ينمو الآن بكثرة في الهند. يحتوي التمر هندي على الكربوهيدرات والبروتينات بمستويات أعلى من تلك الموجودة في أية فاكهة أخرى، وهو المشروب المثالي لمرضى السكري؛ حيث ينظم مستويات السكر والكوليسترول في الدم. وهو أيضًا غني بفيتامين "ج" الذي يعزز الجهاز المناعي، ومُشَبَّع بالبيتا كاروتين. ومن المعادن الأساسية التي توجد في التمر هندي: البوتاسيوم، والفوسفور، والكالسيوم.
أما اللبن الرايب (مشروب الزبادي)، فهو أحد المشروبات الأكثر شعبية في الشرق الأوسط، وقد وصل إلى مصر أيضًا؛ حيث يقتصر تناوله عادةً على مثل هذا الوقت من السنة. فمن المعروف أن البكتريا المفيدة الموجودة في الزبادي الطازج يمكنها أن تساعد على الهضم، كما أنها تعمل على تنظيف الأمعاء والجهاز الهضمي؛ الأمر الذي يساعد على معالجة المعدة المنهكة بعد بضعة أيام من تناول وجبات الإفطار والسحور الدسمة. وبما أنه لا يضاف له سكر، فالأشخاص المهتمون بالرشاقة يفضلون ذلك المشروب القشدي.
المقال منشور في نشرة مركز القبة السماوية العلمي، عدد صيف 2012.