"تعتبر الحواس الخمس قوى مُكَّملة لبعضها البعض ومترابطة بروابط معقدة. فكل حاسة فريدة من نوعها ولها وظائف محددة، إلا أنها، أثناء عملية الإدراك، تتحد وتتداخل" دايفيد إبرام؛ "سحر الحسية: الإدراك واللغة في ما وراء العالم الإنساني" (كلاسيكي)، صفحة 56.
قد تكون الإجابات على السؤال الدائم "لماذا خُلقنا؟" لا متناهية. فيقول البعض إننا خُلقنا لعبادة الله، وقد يزعم العَالِم أننا خلقنا لنكتشف أسرار عالمنا المذهلة، بينما يمكن أن يقول الفيلسوف إننا خُلقنا لنفكر. ولكن بغض النظر عن الإجابة، فإنه يتوجب علينا استخدام حواسنا التي وهبنا إياها الخالق للملاحظة والإدراك والتفاعل مع العالم.
وبما أن حواسنا هي المفتاح للتفاعل مع العالم من حولنا، فإن فقدان إحداها قد يعمل على تقوية باقي الحواس، فيمكن للمعاقين التعايش بطريقة طبيعية بالعمل على شحذ حواسهم الأخرى. ومن المعتقد أن الأطفال الذين يولدون مكفوفين يمكنهم التعايش بطريقة أفضل من الأطفال الذين يفقدون بصرهم في سن صغيرة، أما الذين يفقدون بصرهم بعد سن العاشرة، فتتساوى قوة حواسهم الأخرى مع حواس المبصرين، مما لا يعطيهم أفضلية عنهم في تلك الحواس. ويكمن السر في أن مخ الطفل الصغير يمكن إعادة توجيهه ليستخدم المناطق المسئولة عن الرؤية في أغراض أخرى.
تعرَّض لويس برايل لحادثة في سن الثالثة حرمته من بصره فتم إرساله لمدرسة للمكفوفين بباريس؛ حيث كانت كل المناهج شفهية فكان يتعلم عن طريق السمع فقط. ولكن كان لبرايل رغبة ملحة في القراءة، وقد أدرك أن العالم الحقيقي بعيد عن قبضة يديه بسبب إعاقته فكرَّس جميع جهوده للتوصل لحل للتغلب على إعاقته وإعاقة كل مكفوفي البصر.
وكان برايل تلميذًا نابغًا ومبتكرًا؛ فاستخدم ذكاءه لابتكار طريقة سريعة وسهلة تُمَكِّن المكفوفين من القراءة والكتابة. فقد سمع عن نظام ابتكره ضابط فرنسي اسمه تشارلز باربييه؛ حيث قام بابتكار شفرة من نقاط وعلامات بارزة في محاولة منه لمساعدة الجنود على قراءة وكتابة الرسائل في الظلام بدون استخدام الضوء الذي من شأنه أن يدل على مكانهم. وفي ذلك الوقت، كانت تلك الحروف البارزة نتاجًا لضغط سلك نحاسي له أشكال مختلفة على الورق إلا أنه لم يكن هناك وسيلة تُمَكِّن المكفوفين من الكتابة.
ولأن برايل كان يتمنى أن يجد وسيلة تساعده هو وأمثاله من المكفوفين، فقضى تسعة أعوام في تطوير وتعديل ذلك النظام آخذًا أساسيات نظام باربييه ومبسطًا إياها لتصبح ما نعرفه الآن بنظام برايل. وقد اعتمد برايل على الحروف الأبجدية لتكوين رموزه مقللاً عدد النقاط إلى النصف. وقد قام بنشر أول كتاب بطريقة برايل في عام 1829، ثم قام بإضافة علامات للرياضيات والموسيقى أيضًا في عام 1837.
وعلى الرغم من أن لويس برايل قد امتهن التدريس فأصبح مدرسًا محبوبًا ومحترمًا، وبالرغم من استمراره في الإيمان بقيمة ما ابتكره، فإن نظامه لم يصبح متداولاً في زمانه. ومع مرور السنين، تم إدخال تعديلات على نظام برايل، وخاصةً إضافة الاختصارات التي تعبر عن مجموعة من الحروف أو الكلمات الكاملة التي تستخدم بكثرة في اللغة مما يسهل على مستخدمي نظام برايل القراءة بسرعة، الأمر الذي ساعد أيضًا على تقليل حجم الكتب.
واليوم، تُعتبر الشفرة التي ابتكرها لويس برايل، ذلك الرجل العظيم الذي تحدى إعاقته متغلبًا عليها مُغَيِّرًا مسار حياة المكفوفين إلى الأبد، هي الطريقة التقليدية التي يستخدمها معظم المكفوفين اليوم للقراءة والكتابة من جميع الأجناس حول العالم.
المقال منشور في نشرة مركز القبة السماوية العلمي، عدد الفصل الدراسي الثاني 2010/2011