"... اختفت الشمس من السماء، ويحوم الضباب المخيف فوق الجميع" ~ هوميروس، «الأوديسا» (القرن الثامن قبل الميلاد).
شهدت مصر كسوفًا جزئيًّا للشمس في صباح يوم الثلاثاء، الموافق 4 يناير 2011، وقد تم رصد هذا الكسوف في معظم بلدان أوروبا وشمال إفريقيا وآسيا الوسطى. وفي الإسكندرية—حيث بدأ الكسوف الساعة 9:03 صباحًا واستمر لمدة 3 ساعات—غطَّى القمر ما يقرب من 55% من قُطر الشمس في أقصى درجات الكسوف.
يُعَد الكسوف من الظواهر الطبيعية الرائعة؛ حيث يحدث عندما يمر القمر بين الأرض والشمس. ومصطلح الكسوف بالإنجليزية "إكليبس" (eclipse) مشتق من الاسم اليوناني "إكليبسيس"، والذي يعني "التخلي" أو "السقوط" أو "تعتيم جسم سماوي".
والكسوف الكلي للشمس هو حدث نادر جدًّا في الكون؛ فيمكن رؤيته على الأرض عند حدوث تركيبة عرضية من الظروف. فمنذ ملايين السنين، كان القمر قريبًا جدًّا من الأرض بحيث لم يكن حجبه للشمس بالدقة المرئية اليوم أثناء الكسوف؛ وبعد ملايين من السنين في المستقبل، قد يكون القمر بعيدًا جدًّا بحيث لا يحدث كسوف.
ومن الجدير بالذكر أن يوم الأربعاء، الموافق 29 من مارس 2006، شهدت مصر كسوفًا كليًّا للشمس، وهو الأمر الذي يُعَد من الظواهر الطبيعية الأكثر إثارة. في تلك المناسبة، شهدت الإسكندرية كسوفًا جزئيًّا دام لمدة ساعتين ونصف؛ أما الكسوف الكلي، والذي دام 4 دقائق فقط، فقد تم رصده في منطقة السلُّوم.
ويعدُّ الكسوف الكلي فرصة قصيرة ومتميزة لرؤية الهالة الشمسية الساحرة، وهي الطبقة الخارجية للغلاف الجوي للشمس في هيئة توهج شاحب محيط بها. ولا يمكن رؤية الهالة الشمسية في وضَح النهار، حيث إنها تبدو باهتة مقارنة بتوهج قرص الشمس!
إن الكسوف الكلي للشمس لهو تجربة قد لا تتكرر في العمر؛ حيث يقوم القمر بحجب الشمس كليًّا، فتقِل درجة حرارة الجو، وتصبح السماء مظلمة، وتظهر النجوم والكواكب في النهار، ويختلط الأمر على الحيوانات؛ ففي ظلام الكسوف الكلي للشمس تطير الخفافيش وتنام الطيور! وكل عام، يحدث كسوفًا للشمس مرتين إلى خمس مرات في مكان ما على كوكب الأرض؛ ولكن في بعض الأماكن قد يفصل بين كل كسوف كلي للشمس والذي يليه قرون عديدة.
وقد تم رصد كسوف الشمس على مر التاريخ، فكان لها تأثير عميق على الثقافات الأولى. ويُعتقد أنه قد تم تسجيل كسوف الشمس في الصين وبابل منذ أربعة آلاف عام مضت. وقد أثبتت الأبحاث الحديثة أنه قد تم توضيح كسوف الشمس في الأساطير المصرية القديمة فثبت بالدلائل أن القدماء المصريين قد قاموا برصد كسوف الشمس منذ 4500 عام.
وقد كان ولايزال لكسوف الشمس أهمية خاصة لعلماء الفلك والمؤرخين، حيث يمكِّنهم من تأريخ بعض العصور والأحداث التاريخية. وقد قام علماء الفلك بدراسة السجلات القديمة الخاصة بكسوف الشمس لقياس مُعدَّل دوران كوكب الأرض حول محوره على مدى آلاف السنين الماضية. وفي نواحٍ كثيرة، تُعتَبر القدرة على تنبؤ الكسوف نموًّا للحاجة لتعقب الوقت.
المراجع
تقرير أيمن إبراهيم عن كسوف الشمس الجزئيّ لعام 2011
لمزيد من القراءة
www.bibalex.org/Eclipse2006
*المقال منشور في نشرة مركز القبة السماوية العلمي، عدد ربيع 2011.