لا يقتصر الركض والقفز وتسلق الجدران في المدينة على الرجل العنكبوت أو سلاحف النينجا؛ فقد أصبح ذلك رياضة رسمية تعرف باسم الباركور. كلمة «باركور» مشتقة من الكلمة الفرنسية parcours، التي تعني «المسار» أو «الطريق». راجت تلك الرياضة التي ظهرت لأول مرة في فرنسا في أواخر الثمانينيات من خلال مقاطع على شبكة الإنترنت، والإعلانات التليفزيونية، والأفلام الوثائقية والسينمائية، ومنها فيلم كازينو رويال (2006) من سلسلة أفلام جيمس بوند الشهيرة.
ورياضة الباركور هي رياضة بدنية غير تنافسية تتضمن التحرك بحرية على أي أرض وتخطي أي عقبات باستخدام القدرات البدنية فقط عن طريق الركض والقفز والتسلق والزحف، إلى جانب أي حركات أخرى يتطلبها الموقف. عادةً ما تمارس رياضة الباركور في أي مكان في المدينة؛ فالهدف منها هو رؤية البيئة نفسها بطريقة جديدة. وهي لذلك رياضة لا تحتاج إلى أي معدات؛ ولكن لتعلم حركات جديدة ستكون الحصيرة الرياضية أو الأرضية المرنة اختيارًا آمنًا.
بدأت رياضة الباركور في فرنسا كنشاط عسكري، ثم انتشرت بعد ذلك في كثير من البلدان الأخرى وتشكلت منظمات محلية ووطنية لتوفير التدريب والتعليم. بينما عارض بعض العلماء النظريين فكرة المنافسة في الباركور، تشكلت منظمات دولية مثل الاتحاد العالمي للباركور والركض الحر (2008)، والاتحاد الدولي لفنون الحركة (2012)، والحركة الدولية لرياضة الباركور والركض الحر وفنون الحركة (2014)، وكلها تهدف إلى وضع هيكل لمسابقات الباركور في جميع أنحاء العالم.
في عام 2016، أصبحت بريطانيا الدولة الأولى التي تعترف بالباركور رسميًّا كنوع من أنواع الرياضة. فيمكن ممارسة الرياضة في المدارس بعد حصولها على دعم صندوق الشباب الرياضي وجمعية التربية الرياضية التي وصفت الرياضة بأنها ممتعة وتحفيزية.
الهدف الأساسي لرياضة الباركور هو التحرك من نقطة إلى أخرى بأكبر قدر من السلاسة والكفاءة الممكنة. ويعرف ممارسو الباركور باسم «المتتبعون»، وهو اسم مشتق من الفعل الفرنسي تتبع. ومن ثم، فهي تتطلب قوة ولياقة بدنية، وتوازنًا، ووعيًا بالمكان، وخفة حركة، وتنسيقًا، وحكمة، وقدرة على التحكم، ورؤية إبداعية. يصنف بعض الناس هذه الرياضة على أنها من الرياضات الخطرة والمعادية للمجتمع، بل يرونها إجرامية. إلا أن الدلائل تشير إلى عدم صحة هذه الادعاءات؛ فتوطد رياضة الباركور علاقة الناس بمدينتهم، وتحفزهم إلى العمل مع بعضهم والتعلم من بعضهم، واعتبار المدينة ساحة عامة لممارسة رياضتهم ملكًا لهم جميعًا.
يدعي بعض الناس أن الباركور أقل خطرًا من بعض الرياضات الأخرى مثل التزلج على الجليد والتزلج؛ لأن ممارسيها لا يعتمدون على معدات خارجية لممارستها بل على أجسامهم فقط، في حين يظن البعض الآخر أنها أكثر خطورة من أي رياضة أخرى؛ إلا أن الإحصائيات ترجح الرأي الأول. وفقًا للمنظمة الوطنية لمناطق التزلج، فإن المتوسط السنوي لعدد حالات الوفيات إثر حوادث التزلج خلال العقد الماضي 41.5 شخصًا. وعلى النقيض، أوضحت دراسة تم أجريت في نيوزيلندا عام 2013 أن 44٪ من ممارسي رياضة الباركور لم يسبق لهم التعرض لإصابات ولا توجد أي دلائل على وجود وفيات.
الإصابات الشائعة الناتجة عن ممارسة رياضة الباركور هي الالتواءات، والكسور، والتهابات الأوتار، إلى جانب بعض الإصابات الخطيرة التي تتطلب الحصول على إجازة من العمل للشفاء، وبعضها الآخر يتطلب تدخلًا جراحيًّا. بصفة عامة فالإصابات الناتجة عن ممارسة رياضة الباركور أقل من الإصابات والوفيات الناتجة عن ممارسة الرياضات الشتوية. ولكن قد يكون ممارسو الباركور أكثر عرضة لتلف المفاصل على المدى الطويل بسبب السقوط المتكرر من مسافات مرتفعة والقفزات. لذلك، فإن تعلم كيفية السقوط والهبوط بأمان يساعد على التقليل من خطر الاصابة.
تجنب الإصابة خلال ممارسة الباركور ليس بالشيء المعقد؛ فتوجد أشياء تستطيع فعلها لحماية نفسك مثلها مثل أي رياضة أخرى. في عام 2012، سجلت الخدمة الوطنية الصحية زيادة في معدل الإصابات الرياضية بنسبة 14٪ مقارنةً بالعام السابق، مشتملة 388500 شخص احتاجوا إلى العلاج من الإصابات الرياضية. لذلك، فإذا تعرضت للإصابة في أثناء ممارستك للباركور، فلست وحدك. من الضروري عدم الضغط على نفسك بشكل يفوق قدراتك؛ فقد يغريك التنافس مع الآخرين في أثناء المشاركة في الركض الحر. وفيما يلي بعض النصائح التي قد تساعدك على البقاء بأمان أثناء ممارسة رياضة الباركور:
- حافظ على ترطيب جسمك، وتأكد من الإحماء بشكل جيد.
- تدرب على يد متخصص في ممارسة رياضة الباركور.
- تعلم كيفية السقوط بشكل آمن لتقليل خطر تعرضك للإصابة؛
- لا تتمرن وأنت مجهد؛ لأن ردود أفعالك ستكون بطيئة.
تحسن رياضة الباركور من صحتك الجسدية والعقلية، كما تمنح المواطنين الفرصة لمقاومة الخصخصة المتزايدة التي تحدث في المدن حول العالم. وتعزز الإبداع، والتواصل، والنشاط المدني، إلى جانب إظهار مهارات الجسم البشري المذهلة. بطرق عدة، تمنحنا رياضة الباركور لمحة عن مستقبل الرياضة الذي يبدو مشرقًا ومشوقًا.
المراجع
topendsports.com
theconversation.com
adventure.howstuffworks.com
mpora.com
wfpf.com
parkour.uk
en.wikipedia.org
britannica.com