إن التعليم هو مفتاح التقدم. هذه المعلومة يعرفها العالم أجمع؛ فكل دولة صعدت لتصبح أكثر تقدمًا يكون لها نظام تعليم قوي وراسخ، بالإضافة إلى أخلاقيات عمل مترسخة تسمح لها بالوصول إلى القمة. ولذلك فأي دولة تطمح إلى الارتقاء لمستوى الدول المتقدمة يجب أولاً وقبل أي شيء أن تنظر إلى نظامها التعليمي.
والتعليم ليس مجرد أمر يحدث داخل الفصل الدراسي؛ فهناك أنواع عدة من التعليم التي يحتاج إليها المرء لكي يصبح إنسانًا متطورًا بشكل كامل ومستعدًّا ليكون عضوًا فاعلاً في المجتمع. إلا أن التعليم الذي تكون الحكومة مسئولة عنه هو التعليم الأكاديمي؛ فيجب أولاً أن تتأكد من وجود المرافق الملائمة التي يمكن للطلبة الذهاب إليها، ومن تعيين المدرسين والأساتذة للعمل في المدارس والجامعات، وكذلك تصميم المناهج المناسبة لكل مستوى من التعليم.
لكن مع الأسف ليست لكل الدول الموارد الكافية لإعطاء الأولية للتعليم. كما أن بعض الدول التي تمتلك الموارد اللازمة لا يكون لديها الحافز القوي لتوجيه الاهتمام الذي يستحقه التعليم لأسباب سياسية. فيظل انعدام التعليم مشكلة قائمة في بعض الدول الإفريقية على الرغم من وجود المدارس؛ فقد لا تكون متاحة لكل الطلبة بسبب المسافة أو الندرة.
كما توجد مشكلة الاستمرارية لهؤلاء الذين يذهبون إلى المدرسة؛ فمعدل تسجيل الطلبة في المدرسة الثانوية أقل من 7% في إفريقيا، ولكن هذا لا يعني أن الطلب على التعليم منخفض؛ فعلى العكس هو مرتفع، ولذلك فهناك سعي وراء وسائل أخرى للتعليم إلى جانب النظام التعليمي التقليدي.
أحد الخيارات هو التعليم عن بعد، الذي يعرف بالتعليم الإلكتروني. فلا يحتاج المرء للذهاب إلى مكان التعليم التقليدي للتعلُّم؛ حيث أصبح جهاز الكمبيوتر أو الكمبيوتر اللوحي ووصلة الإنترنت منفذًا للتعليم للكثيرين. فكما تقول عايدة أوبوكو - منسا – مستشار خاص لأجندة التنمية لما بعد 2015 باللجنة الاقتصادية التابعة للأمم المتحدة في إفريقيا: "التعليم الإلكتروني عالي الجودة ضرورة".
والتعليم الإلكتروني يكون عن طريق تلقي الطلبة الدروس عبر الإنترنت؛ فيمكن أن تتم العملية التعليمية بالمنزل، أو بمكان العمل، أو في أي مكان آخر يرغب فيه الطالب. قد يكون المدرسون والأساتذة غير موجودين للتدريس مباشرة، ولكن هناك وسائل عديدة ومتنوعة للتفاعل خلال العملية التعليمية، كما يمكن التواصل بين الطلبة من خلال الفصل الدراسي الظاهري.
فيمكن أن تنقل الدروس بالبث المباشر، ويمكن أن يكون التفاعل لحظيًّا؛ كما يمكن أن تكون الدروس مسجلة ومحملة على الإنترنت. ويمكن تداول العروض التقديمية، وأوراق العمل، والفروض إلكترونيًّا بيسر؛ فيتم الاشتراك وتقييم العمل تمامًا كما في الفصول الدراسية الحقيقية. ولهذه الوسيلة منافع عدة؛ فيمكن للطلبة توقيت أنفسهم أثناء تلقيهم للدرس بما يتناسب معهم. كما يمكن للطالب تلقي الدرس وقتما يشاء – فيما عدا دروس البث المباشر – ولذلك يمكن تكييف الدروس مع أنماط الحياة المختلفة بسهولة.
يجب توافر عوامل عدة للمساعدة على عملية التعليم وإلا فسيواجه الطلاب مشكلات تعوقهم عن الاستمرار. أحد تلك العوامل هي ضرورة تقديم المعرفة بطريقة مثيرة للاهتمام وتفاعلية؛ حتى يتفاعل معها الطلاب، وبذلك يستطيعون تحصيل مزيد من المعلومات الجديدة. ويسهل التنويع في المحتوى في التعليم الإلكتروني؛ حيث لا تستخدم الكتابة فقط، بل يوجد هناك أيضًا أصوات وصور. وبالتواصل مع الطلبة من خلال الألعاب الشائقة وأوراق الأعمال، والتي يسهل تقديمها على الشاشات، يسهل الاحتفاظ باهتمامهم وتركيزهم ومن ثم استمرارية التعلُّم.
والمناقشات في الفصل الدراسي هامة للغاية؛ حيث تمنح الطلاب بديلاً من خلال التعلم المتبادل بينهم، عوضًا عن الأسلوب التقليدي للتعلم من خلال المدرس وهو السائد في المدارس. ويسهل القيام بتلك المناقشات من خلال المنتديات التفاعلية، وهي أساسية لنجاح تجربة التعليم الإلكتروني. كما أن رأي المدرس هامٌّ بالنسبة للطلبة؛ حيث يسهل شرح أي محتوى غير واضح من خلال الدردشة والرسائل كذلك.
قدم تقرير إفريقيا للتعليم الإلكتروني لعام 2014، والذي نشرته شركة الاتصالات المتكاملة للأحداث في جميع أنحاء العالم – تقريرًا بحثيًّا مجمعًا عن التعليم الإلكتروني في إفريقيا. وقد ربط التقرير الطلب المتزايد للتعلم الإلكتروني بالنمو المزدهر للبنية التحتية للاتصالات؛ حيث إن لإفريقيا أعلى معدل نمو في الاتصالات السلكية واللاسلكية في العالم. وينعكس ذلك أيضًا على اشتراكات النطاق العريض المتنقلة، وهو ما سينعكس على زيادة الطلب على التعليم الإلكتروني.
"حسب ما أعلنته شركة "البصيرة المحيطة" (Ambient Insight) – وهي شركة مختصة بأبحاث السوق – فإن التعليم الإلكتروني في ست عشرة دولة إفريقية ما زال لا يتعدى 15%؛ فيتوقع وصول الدخل منه إلى حوالي 513 مليون دولار في 2016. وتقترح الشركة ثلاثة عوامل محفزة لانطلاق سوق التعليم الإلكتروني في إفريقيا: الرقمنة واسعة النطاق للمحتوى الأكاديمي، وزيادة التسجيل في دورات التعليم العالي الإلكترونية، وزيادة اعتماد الشركات للتعليم الإلكتروني."
مع زيادة إتاحة التعليم الإلكتروني لقطاع أكبر من الجمهور، نأمل أن يساعد المستفيدين منه على منح إفريقيا مستقبلاً أكثر إشراقًا.
المراجع
www.dw.de
www.td.org
Images: The eLearning Africa 2014 Report