لا مجال للشك في أن الكتابة جزء لا يتجزأ من سعي الإنسانية وراء المعرفة؛ فالتعليم، والتعلُّم، وتوثيق العلوم اعتمدت جميعها عليها. واعتمدت الكتابة بدورها على نظام خطي مفهوم، ووسط يكتب عليه، وأداة يكتب بها. وقد كان للأقلام رحلة شبيهة برحلة الورق من البردي إلى الورق الإلكتروني – والتي تناولناها في عدد "خريف 2013" من نشرة مركز القبة السماوية العلمي – فدعونا نمر على المحطات الأساسية في هذه الرحلة.
الأشكال الأولى
شهدت جدران الكهوف نقوش الإنسان الأولى منذ قرابة 6.000 عام، وكانت الأحجار المدببة أدوات النقش الوحيدة المتاحة حينها. وفي حوالي عام 3.000 قبل الميلاد، ازدهرت الكتابة على أوراق البردي والألواح الطينية على التوالي.
للكتابة على أوراق البردي، استخدم المصريون الأقلام أو الفرش القصبية الرفيعة المحفوظة في لوحات خشبية أو عاجية تحتوي على تجاويف تحمل الأحبار. وفقًا لبعض الباحثين، استمر استخدام الأقلام القصبية حتى استخدمت جلود الحيوانات، وورق الرَّق، وورق البرشمان بدلاً من البردي.
وتطلَّب الحفرُ على الطين أداة كتابة تترك علامات واضحة دون تفتيت السطح، ومن ثمَّ استُخدمت القُليمات القصبية ذات الحواف المثلثة الحادة. ومن الجدير بالذكر أنه بعد ذلك – حوالي عام 1300 قبل الميلاد – استخدم الرومانيون قُليمات معدنية شبيهة للحفر على الألواح الشمعية.
قلم الريشة
مع ازدهار استخدام ورق الرَّق وورق البرشمان، غيَّر استخدام أقلام الريش المصنوعة من ريش الطيور أسلوب الكتابة. وكان الريش الطويل المأخوذ من البجع، والديوك الرومية، والإوز يعطي أفضل النتائج؛ فاعتمدت فكرة هذا النوع من الأقلام على خزان الحبر الطبيعي المتمثل في القناة المجوفة بجسم ريشة الطائر.
كان يتم اقتلاع الريش وتجفيفه بتعريضه للحرارة الهادئة، ومن ثَمَّ كان يتم نزع المواد الدهنية التي من شأنها التأثير في الحبر. وكان على الكُتَّاب بري هذه الأقلام لاستخدامها، وكان يتم إعادة بري حوافها بسهولة كلما بلدت، ثم يغمس القلم في الحبر لملء خزان الحبر.
ظلت أقلام الريش مهيمنة من عام 600 حتى عام 1800 ميلادية؛ أي إنها ظلت مناسبة للاستخدام على الأنواع الجديدة من الورق.
قلم الحبر السائل المعدني
من المرجح أنه قد سُجِّلت أول براءة اختراع للقلم المعدني في عام 1803، ولكن النموذج لم يطرح تجاريًّا. وفي عام 1819 سجَّل جون شيفر براءة اختراع بريطانية لقلم ريشة معدني وحاول إنتاجه، غير أنه لم يحدث إنتاجًا شاملًا لأقلام الحبر السائل المعدنية قبل عشرينيات القرن التاسع عشر، وكان ذلك في برمنجهام بالمملكة المتحدة.
كما سُجِّلت براءة اختراع إصدار محسَّن من الأقلام المعدنية – وهي الأقلام ذات الرأس الفولاذية – في عام 1830 لمخترعها جيمس بيري. وقد وفَّر تصميم القلم إمدادًا منتظمًا وبطيئًا من الحبر، كما كان أكثر سلاسة مما سبقه من أقلام ذات رأس فولاذية.
في خمسينيات القرن نفسه كان استخدام أقلام الريش قد بدأ في الاندثار، في حين كانت جودة الأقلام الفولاذية في تزايد مستمر.
قلم الحبر السائل
جاءت المحطة الأساسية التالية مع براءة اختراع أول نموذج عملي لقلم الحبر السائل في 1884 لمخترعه لويس واترمان؛ فقد كانت النماذج السابقة تشوبها عيوب جعلتها غير عملية وصعبة في بيعها.
وقد تألف ذلك القلم من ثلاثة أجزاء رئيسية: السنُّ الذي يتصل مع الورق، والجزء الذي يغذي السن بالحبر ويتحكم في إمداد الحبر، والأنبوب المستدير الذي يحمي خزان الحبر الداخلي ويثبت به السن.
لقد مرت تقنية ملء خزان الحبر بتطورات عديدة من قِبَل مختلف المصنعين في القرن العشرين، وما زالت أقلام الحبر السائل تباع حتى يومنا هذا بوصفها أدوات كتابة كلاسيكية.
قلم الحبر الجاف
طور المخترع الأمريكي جون لاود فكرة استخدام كرة دوارة توزِّع الحبر على الورق في عام 1888. وكان المقصود بذلك الاختراع في بادئ الأمر الكتابة على الجلد؛ غير أنه لم يستثمر تجاريًّا.
وفي ثلاثينيات القرن العشرين، أجرى الأخوان المجريان لازلو وجورج بيرو تجارب لإنتاج قلم حبر جاف عملي؛ فحصل لازلو على براءة اختراع القلم في عام 1938. وفي عام 1943 طرح النموذج التجاري له، وحصل على رخصة لإنتاجه في المملكة المتحدة؛ حيث استخدمته القوات الجوية الملكية التي وجدته يعمل أفضل من قلم الحبر السائل في الارتفاعات. ويعرف قلم الحبر الجاف بـ "بيرو" في كثير من أنحاء العالم.
في عام 1945 اشترى الفرنسي مارسيل بيك براءة الاختراع من بيرو، وأصبح القلم المنتج الأساسي لشركته "بيك". وقد طوَّر بيك عملية صناعية لإنتاج أقلام الحبر الجاف، والتي خفَّضت من كلفتها بشكلٍ كبير.
قلم الكرة الدوارة
في بداية ثمانينيات القرن العشرين، استحدثت أقلام الكرة الدوارة. فعلى عكس الحبر السميك المستخدم في أقلام الحبر الجاف، استخدمت هذه الأقلام كرة متحركة وحبرًا سائلًا ساعدا على كتابة أكثر سلاسة. وقد حسنت كثير من التعديلات التقنية أداء أقلام الكرة الدوارة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.
هناك أنواع وعلامات تجارية عديدة من الأقلام حول العالم اليوم؛ الأمر الذي يعكس حركة صناعية كبيرة. علاوة على ذلك، أصبحت الأقلام الرقمية التي تقوم بتحويل خط اليد إلى بيانات رقمية تستخدم في تطبيقات عديدة من أجهزة الإدخال الشهيرة في هذه الأيام. فهذه الرحلة الطويلة لن تنتهي طالما استمرت العقول البشرية المبدعة في تصميم أدوات مبتكرة.
المراجع
history.org
brighthubeducation.com
ringpen.com/
dailykos.com
engineersgarage.com
*المقال منشور في نشرة مركز القبة السماوية العلمي، عدد ربيع 2015.