كانت عالمة الفلك الإنجليزية كارولين هيرشل أول امرأة تكتشف مذنبًا، وهي أول امرأة يتم الاعتراف بها رسميًّا بصفتها عالمة، ويتم منحها أجرًا على إسهاماتها العلمية. كما كانت أول امرأة يتم تقليدها الميدالية الذهبية للجمعية الفلكية الملكية، وتحصل على العضوية الشرفية للجمعية الملكية البريطانية رفيعة الشأن.
ولدت كارولين لوكرتسيا هيرشل في مدينة هانوفر الألمانية في 16 مارس 1750. وفي العاشرة من عمرها أصيبت بالتيفوس؛ الأمر الذي عرقل نموها فلم يتعدَّ طولها 120سم. ظنت أسرتها أنها لن تتزوج؛ فأراد والدها أن تنال قسطًا من التعليم، ولكن والدتها عارضت ذلك. لذلك حاول والدها أن يستغل غياب والدتها لتعليمها بنفسه أو لتشملها دروس أخيها.
عندما بلغت كارولين الثانية والعشرين من العمر استطاعت أن تترك هانوفر بمساعدة أخيها ويليام الذي سبق أن انتقل للعيش في إنجلترا؛ حيث عمل موسيقارًا. وقد اهتم ويليام بالفلك بشكل خاصٍّ؛ فكان يشرح لكارولين ما يدركه من عجائب الأمور عن النجوم التي كان يقوم برصدها. فولِعت كارولين بهواية أخيها وحثته على تدريبها لمساعدته، ومع مرور الوقت عُرف ويليام بعمله باستخدام التلسكوبات فائقة الكفاءة؛ حيث دعمت كارولين مجهوداته.
فعكفت كارولين لساعات على تلميع المرايا وتركيب التلسكوبات سعيًا لرفع كمية الضوء التي يتم أسرها إلى أقصى درجة. وعلى الرغم من أنها لم تحفظ جداول الضرب، فإنها قامت بالحسابات المعقدة الخاصة بما يرصده أخوها. كذلك تعلمت نسخ الكتالوجات الفلكية وغيرها من الإصدارات التي استعارها ويليام؛ كما تعلمت تسجيل أعمال أخيها الرصدية، واختزالها، وتنظيمها؛ حيث أدركت ضرورة السرعة، والدقة، والضبط.
في عام 1781، وأثناء رصدهما لسماء الليل باستخدام تلسكوب عالي الكفاءة قاما ببنائه معًا، اكتشف ويليام وكارولين كوكب أورانوس؛ حيث كانت تلك هي النقطة التي تحول فيها الفلك من هواية فقط إلى مصدر للعيش بالنسبة لهما. وبطبيعة الحال فقد احتفى المجتمع العلمي بويليام، في حين تم تجاهل إسهام كارولين في الاكتشاف.
خشي ويليام أن يبقى اسم كارولين مجهولًا إذا ظلت تعمل تحت إشرافه؛ فاقترح عليها أن تعمل بشكل منفصل عنه. ومن ثم بدأت كارولين في الرصد بشكل مستقل بدءًا من عام 1782؛ حيث عكفت على رصد السماء لساعات طويلة يوميًّا باستخدام تلسكوب نيوتن ذي بعد بؤري 27 بوصة، فرصدت عددًا من الأجسام الفضائية بين عامي 1783 و1787. ومن أهم اكتشافاتها المستقلة إم110 (إن.جي.سي205)، وهو الرفيق الثاني لمجرة أندروميدا.
أثناء العشر سنوات اللاحقة نجحت كارولين في اكتشاف ثمانية مذنبات، اكتشفت أولها في 1 أغسطس 1786. عُرف المذنب الذي اكتشفته باسم «مذنب السيدة الأولى»، جالبًا معه الشهرة التي ضمنت مكانتها في كتب التاريخ. واعترافًا بعملها، وكذلك تشجيعًا لها للتقدم، منحها ملك بريطانيا العظمى جورج الثالث في عام 1787 راتبًا قيمته خمسون جنيهًا إنجليزيًّا – وهو ما يعادل 5700 جنيه إنجليزي في عام 2016 – وذلك نظير عملها كعالمة فلك؛ فجعلها أول امرأة يتم منحها مقابلًا ماديًّا لخدماتها العلمية.
وبعد اكتشافها للثمانية مذنبات درست كارولين «كتالوج النجوم»، الذي نشره عالم الفلك الإنجليزي العظيم جون فلامستيد، جامعًا فيه ومصنفًا أكثر من 3000 نجم؛ حيث قامت بمسح للسماء امتد عشرين عامًا بهدف مراجعة ذلك الكتالوج؛ مما أدى إلى إضافة 550 نجمًا لم يتم شملها في الكتالوج الأصلي.
في أعقاب وفاة أخيها ويليام في عام 1822 عادت كارولين إلى موطنها في ألمانيا؛ حيث عملت على تصنيف وتدوين كلِّ اكتشاف لها ولويليام. وأثناء حياتها حصلت على جوائز عدة، بما في ذلك الميدالية الذهبية للجمعية الفلكية الملكية. كذلك تحمل كثير من المذنبات التي اكتشفتها اسمها، وتم تسمية الكويكب 281 باسمها الثاني «لوكرتسيا»؛ كما سميت فوهة سي. هيرشل على سطح القمر تيمنًا بها. بالإضافة إلى ذلك، فإن كتالوجين فلكيين مما نشرت لا يزالان يستخدمان إلى اليوم.
بفضل أخيها ويليام تعد كارولين هيرشل واحدة من عالمات الفلك القلائل في التاريخ، اللاتي تم توثيق حياتهن والاعتراف باكتشافاتهن. وقد رحلت عن عالمنا في 9 يناير 1848؛ حيث كتبت الكلمات التالية على شاهد قبرها: «وتلتفت عينا تلك المبجلة هنا بالأسفل إلى السماء الحافلة بالنجوم».
*المقال منشور في مجلة كوب العلم، عدد النساء والعلم (ربيع 2016).
المراجع
www.nasa.gov
www.britannica.com
www.womanastronomer.com