تمتلك ابنتي ذات السبعة أعوام كلَّ ما يؤهلها لتصبح عالمة في المستقبل. فهي مفتونة بالعلوم ومهتمة كثيرًا بأسرار الطبيعة. وهي دائمة السؤال عن كلِّ قاعدة وتحاول أن تتفوق في كلِّ المهارات؛ كما أنها تعمل جاهدة لتصل إلى النتيجة النهائية التي تريدها. وليس ذلك فحسب، بل إنها تجمع عينات من الصخور للتسلية، وتفضل مشاهدة قناة ديسكفري في الوقت المسموح لها بمشاهدة التلفاز، حتى إنها طلبت الشهر الماضي أن تحصل على موسوعة للأطفال كمكافأة لسلوكها الجيد.
فتملأني مشاهدتها وهي تقوم بإجراء تجربة أخرى في مطبخي بالفخر والفرح؛ ولكنها أيضًا تملأني بالخوف والقلق. فأخشى أن تعترض التقاليد والأنماط الاجتماعية حماسها؛ حيث تؤشر إليها بأن العلوم ليست للفتيات. كما أخشى أن يصدها عدم وجود عدد كافٍ من العالمات لتقتدي بهن عن مواصلة شغفها للعلوم يومًا ما. والأهم من ذلك كله، فأنا قلقة من التحديات والعزلة التي قد تواجهها في حياتها إذا ما قررت أن تتصدى لتلك الصعاب – وفي اعتقادي أن هذا ما سوف تقوم به فعليًّا – وخاضت المغامرة في عالم العلوم الذي يسيطر عليه الذكور.
لماذا علينا أن نهتم؟
على الصعيد العالمي، يفوق عدد العلماء الرجال عدد العالمات بشكل كبير؛ وفي المنطقة العربية يمكننا رؤية هذه الفجوة بين الجنسين بوضوح أكثر. وهناك مجموعة من العوامل الاجتماعية، والثقافية، والمالية التي تلعب دورًا في استمرار وجود هذه الفجوة بين الجنسين؛ بدءًا من التعليم المبكر، ووصولًا إلى المراحل العليا من البحث العلمي.
وفي الوقت الذي زادت فيه نسبة النساء اللاتي يدرسن العلوم في المنطقة العربية بشكل ملحوظ خلال العقود القليلة الماضية، حتى أن عددهن قد تفوق على عدد نظرائهن من الرجال في كثير من الدول العربية، لم تضاهِ تلك الزيادة أعداد النساء في سوق العمل والأبحاث العلمية؛ حيث تشكل النساء أقل من 12٪ فقط. وتُسمى تلك الظاهرة العالمية بـ«الطابور غير المكتمل»؛ حيث تتخلى النساء في كثير من الأحيان عن وظائفهن في مجال العلوم، والتكنولوجيا، والهندسة، والرياضيات بعد وقت قصير من حصولهن على شهاداتهن، وذلك للسعي وراء بدائل أكثر «عملية».
بغض النظر عن العوامل التي تدفع النساء إلى التخلي عن العلوم، لماذا علينا أن نهتم بأن تختار مزيد من النساء أن يصبحن عالمات؟ يطرأ هذا السؤال كلما ذُكِرَت التحديات التي تواجهها النساء في العلوم، إلا أنه بإمكاني أن أذكر بعض الإجابات بسهولة.
أولاً، فإن جذب النساء والاهتمام باستمرارهن في العمل في مجال العلوم، والهندسة، والتكنولوجيا، والرياضيات من شأنه أن يزيد من الابتكار، والإبداع، والقدرة التنافسية. فيعمل العلماء والمهندسون على حل بعض أصعب التحديات في عصرنا، كما يقوم المهندسون بتصميم معظم الأشياء التي نستخدمها يوميًّا. وعندما لا يتم إشراك النساء في العلوم والهندسة، يتم تجاهل الخبرات، والاحتياجات، والرغبات الخاصة بالنساء. ويجب أن نهتم بهذا الأمر؛ لأن الرؤية ذكورية المحور للعلوم هي كذلك بالضبط: ذكورية المحور.
فمن المدهش أنه منذ 25 سنة فقط اكتشف العالم أن أمراض القلب لدى النساء تظهر بشكل مختلف عنها في الرجال. فكيف كان للرجال الذين كانوا يسيطرون على مجال أمراض القلب أن يفكروا في أن قلوب النساء قد تعمل بشكل مختلف عن قلوبهم؟ وفي مناسبة أخرى، قامت مجموعة مكونة في الغالب من المهندسين الرجال بتصميم أول جيل من الوسائد الهوائية للسيارات، التي عملت على أجسام الرجال فقط؛ مما أدى إلى وفاة عديد من النساء والأطفال؛ الأمر الذي كان من الممكن تفاديه لو عملت النساء جنبًا إلى جنب مع الرجال على هذا المشروع.
في ظل وجود سوق عمل أكثر تنوعًا، يمكن تصميم المنتجات، والخدمات، والحلول التكنولوجية بشكل أفضل؛ لتمثل جميع المستخدمين، كما سيتم توجيه البحث العلمي من قبل مجموعة أكبر من الخبرات. وفي الدول العربية، حيث نتخلف كثيرًا عن ركاب العلوم والبحث العلمي، نحن بحاجة ماسة إلى استغلال أكبر قدر من القوى العقلية التي نملكها، بما في ذلك النساء اللاتي يشكلن نصف سكان الدول العربية تقريبًا.
تحديات فريدة من نوعها
أما على الصعيد العالمي، فتحتاج النساء والفتيات إلى المساعدة على التغلب على العقبات؛ على سبيل المثال: استنكار المجتمع، أو الشعور بالعزلة كونها الفتاة الوحيدة الموجودة في الفصل أو العمل، بالإضافة إلى المعايير المزدوجة في التقدم للوظائف أو المنح البحثية، والقوانين غير الداعمة لرعاية الطفل وإجازات الوضع.
وأما على الصعيد الإقليمي، فإن التحديات مزدوجة؛ فيؤدي ميل المجتمع إلى رؤية النساء كزوجات وأمهات في المقام الأول إلى الاعتقاد بأن هؤلاء النساء أقل قبولًا واستعدادًا للوظائف ذات ساعات العمل الطويلة اللازمة للعمل العلمي. ومن ثَمَّ، فغالبًا ما يتم منح الفرص المتاحة لتعزيز مجال العلوم من خلال المنح الدراسية والترقيات إلى الذكور.
فحتى تتمكن النساء من التقدم في المجالات العلمية في المجتمعات العربية، يجب أن تعطي الدول العربية الأولوية إلى تحسين وضع النساء بشكل عام؛ بأن تسن قوانين جديدة من أجل حماية حقوق المرأة في التعليم، والعمل، والمساواة في الأجور، وأن تجرم كلَّ أنواع التحرش والعنف ضد المرأة في مكان العمل، بالإضافة إلى تأمين المساواة في الحصول على فرص التدريب والترقية.
حينها فقط، لن يواجه الجيل الجديد من الفتيات العربيات المحبات للعلوم واللاتي يسعين إلى الابتكار والاكتشاف نفس التحديات، ومن ثَمَّ سوف يتقدمن ويزداد عددهن. ومن جهتي، سوف أبذل قصارى جهدي لتشجيع ابنتي العالمة الصغيرة، وسوف أؤكد لها مدى احتياج بلدها والعالم أجمع لها ولعقلها العلمي.
المراجع
news.nationalgeographic.com
inc.com
care2.com
natureasia.com
*المقال منشور في مجلة كوب العلم، عدد النساء والعلم (ربيع 2016)