بعد أعوام كثيرة عملتها في مجال توصيل العلوم يمكنني الجزم أنه لا يقابلنا في هذا المجال موضوع أكثر أهمية وإلحاحًا من تغير المناخ. فهو وطيد الترابط بجميع التحديات الحرجة التي تشكل خطرًا على عالمنا اليوم، على الرغم من جهل كثير من الناس بها سواء عمدًا أو بغير قصد. فحسب اللجنة الدولية للتغيرات المناخية (IPCC)، سيكون لتغير المناخ تأثير واسع الانتشار على حياة الإنسان والأنظمة البيئية؛ حيث يتسبب في موجات حارة، وفيضانات، وجفاف، وأعاصير استوائية مكثفة، وارتفاع في منسوب مياه البحر، كما أنه يضر بالتنوع الحيوي.
لقد أوضح المجتمع العلمي الحاجة الملحة إلى الحد من تغير المناخ. وبالتصديق على اتفاقية باريس، فإن المجتمع الدولي قد أقر بشكل رسمي الأهداف الطموحة لفعل ذلك. إلا أنه لا يزال هناك فجوة واسعة بين الأهداف الطموحة لتخفيض الانبعاثات المنصوص عليها في اتفاقية باريس، التعهدات والأفعال الحقيقية للأمم المشاركة في الاتفاقية. ولا يمكن سد تلك الفجوة إلا بسد الفجوة الموجودة بين الفهم العلمي والفهم المجتمعي لتغير المناخ.
ويتطلب حل مشكلة تغير المناخ العمل على جميع مستويات المجتمع؛ فلا يمكن حلها من قبل قلة من الأفراد لهم إتاحة مميزة للمعلومات. الأمر يحتاج إلى نقل المعرفة بشكل فكري وفعال إلى صانعي القرار والمواطنين من جميع الشرائح. إن التعليم أمر أساسي في حالة تغير المناخ؛ لأن التعلم من التجربة سيكون تعلمًا بعد فوات الأوان.
فالتأخير بين اتخاذ القرارات المتسببة في تغير المناخ وتأثيرها الكامل في المجتمع قد يتراوح ما بين عقود وآلاف السنين. لذلك، فإن التعلم من التعليم وليس من التجربة أمر ضروري لتفادي العواقب. تغير المناخ والاستدامة يمثلان أنظمة معقدة وديناميكية تتطلب نهجًا من تفكير النظم؛ فيستلزم الأمر منظورًا شموليًّا طويل المدى يركز في العلاقات بين الأجزاء المتداخلة، وكيف لتلك العلاقات أن تولد سلوكًا سليمًا مع مرور الزمن.
يؤدي التعليم دورًا محوريًّا في عدة عمليات يمكنها تسريع التغير المجتمعي والحد من تغير المناخ. فيزيد التعليم الفعال عدد المواطنين المتفهمين والمنخرطين في قضية تغير المناخ؛ ما يساعد على بناء إرادة مجتمعية ضاغطة تشكل السياسات، وكذلك بناء قوة عاملة لاقتصاد منخفض الكربون. بالتأكيد، نجحت جهود عديدة في تعليم تغير المناخ حتى الآن في تحقيق مكاسب معرفية وتأثيرية وتحفيزية فيما يتعلق بالمناخ والطاقة.
وحسب منظمة اليونسكو، فإن ما تسميه «المعرفة المناخية» بين صفوف الشباب وخطوة أساسية نحو تعليم أفضل للأجيال القادمة. فهي عنصر حيوي لتعزيز الاستجابة العالمية اللازمة لمواجهة تغير المناخ. وهي تشجع على تغيير المواقف والسلوكيات، كما تساعد على التأقلم مع النزعات المرتبطة بتغير المناخ. فيمنح التعليم الأطفال والشباب المعرفة والمهارات اللازمة لاتخاذ القرارات على أسس سليمة فيما يتعلق بتأقلم الحياة الفردية، وكذلك الأنظمة البيئية والاجتماعية والاقتصادية مع البيئة المتغيرة.
فمن الضروري للدول تطوير استراتيجيات لبناء مقاومة ضد تغير المناخ؛ والتعليم يُعد أمرًا حيويًّا للقيام بذلك. فالأمر لا يتعلق فقط بتخفيف آثار تغير المناخ، ولكنه كذلك يخاطب من خلال الموارد التعليمية تدابير التكيف الخاصة بكل دولة. ولأن آثار تغير المناخ لا تميز بين الأفراد وتنتشر بشكل واسع، فإن التعليم الرسمي وغير الرسمي ضروريان لتعليم المواطنين في جميع الأعمار. بالنسبة إلى صغار السن والأجيال المستقبلية التي ستتأثر بتغير المناخ بشكل أكبر، فإن المؤثرات الإيجابية في المراحل المبكرة من حياة الفرد من شأنها مد المجتمع بالفهم والقيم والمعرفة والمهارات اللازمة للتعامل مع أسباب تغير المناخ وآثاره.
المراجع
brookings.edu
commercialappeal.com
en.unesco.org
ikea.com
oxfordre.com
thecommonwealth-educationhub.net
thecommonwealth-educationhub.net
*المقال الأصلي منشور بمجلة كوكب العلم، عدد أهداف التنمية المستدامة (شتاء 2019).