من البيئات الثلجية المتجمدة إلى الرملية لافحة الحرارة، استوطن بنو البشر معظم البقاع اليابسة على سطح الأرض. فقد سمح تنوع الظروف المناخية والموارد الطبيعية المتاحة من بقعة إلى أخرى بازدهار أنماط حياة فريدة حول العالم. أحد أوجه هذا الإرث الإنساني العمارة العامية؛ وهي العمارة المحلية الشائعة في منطقة ما. وتتجلى العمارة العامية في المنازل المصممة لتتناسب مع احتياجات المجتمع المحلي، وتعتمد على مواد البناء المتاحة. لنأخذ جولة حول العالم ونستعرض بعض الأمثلة لهذه المنازل التي – على الرغم من بساطتها – ترتكز على أساسات علمية.
صحارى قاسية
بمكان ليس ببعيد عنَّا، تمتد الصحراوان العربية والكبرى؛ حيث نجد الخيام البدوية الشهيرة في ثقافتنا. إن لم تكن قد زرت خيمة بدوية بنفسك في رحلة سفاري، فحتمًا شاهدتها في كثير من الأفلام العربية أو قرأت عنها في كتب الأدب والمغامرات العربية.
ويشير اسم «البدو الرحالة»، إلى نمط حياة هؤلاء الناس على التنقل الدائم من مكان إلى آخر. من ثَمَّ، تحتاج القبائل البدوية إلى مآوٍ يسهل حملها وتركيبها وفكها، وقد لبت المنسوجات التي تتميز بالمرونة والقوة وخفة الوزن هذه الاحتياجات. فينسج البدو المواد المعمارية من أصواف الحيوانات المتاحة محليًّا، ويستخدمونها لصناعة أرضيات خيامهم وحوائطها وأسقفها.
وعلى منازل البدو أن توفر لهم الحماية من الظروف المناخية القاسية بالصحراء. تغزل السيدات البدويات نسيج الخيام يدويًّا من شعر الأغنام والماعز والجمال باستخدام الأنوال الأرضية. وتمتاز هذه المنسوجات الطبيعية بخواصها الطيعة التي تسمح بشدها وتمديدها بأشكال مختلفة. عادة ما تقام الخيام البدوية في بِنى مستطيلة الشكل تدعمها أوتاد، بطريقة تسمح بمرور الهواء داخلها.
وتتمتع أيضًا هذه المنسوجات الداكنة المنسوجة من شعر الحيوانات بخواص عازلة تمكنها من امتصاص حرارة الصحراء الحارقة نهارًا وإطلاقها ليلًا عندما تنخفض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر المئوية. وخلال الأيام المطيرة، تمتص الأنسجة ماء المطر وتنتفخ فتنغلق الفتحات الصغيرة بينها، ومن ثَمَّ تصبح الخيمة مضادة للمياه. أخيرًا وليس آخرًا، يقوم النسيج الخشن بتمرير أشعة الشمس من خلال فتحاته نهارًا وينير الداخل.
انتظرونا في رحلة جديدة ومنزل جديد.
*اقرأ مقال «حول العالم في خمسة منازل» الأجزاء الثاني، والثالث، والرابع.