الأرض اليوم، بكل ما فيها من ثروات حيوية نشعر بها من حولنا، نتاج أربعة مليارات عام من التطور. وعلى الرغم من أن العلم لم يحدد بعد مصدر الحياة، تشير بعض الدلائل إلى أن الحياة قد وجدت بالفعل بعد تكون الأرض ببضع مئات الملايين من السنين. وحتى ما يقرب من 600 مليون عام مضت، كان كل ما يوجد على الأرض من الكائنات الحية البسيطة أحادية الخلية.
ولقد استخدم رايموند ف. داسمان، عالِم الحياة البرية وأحد المهتمين بالحفاظ على البيئة، مصطلح «التنوع الحيوي» لأول مرة في كتاب يدعو إلى الحفاظ على البيئة. إلا أنه لم يتم تبني ذلك المصطلح بشكل كبير لما يزيد عن عقد من الزمان، حتى أصبح مستخدَمًا بشكل كبير في سياسة العلوم والبيئة في الثمانينيات. ومن المحتمل أن يكون و. ج. روزين من قام بابتكار المصطلح في عام 1985، أثناء تنظيمه للمنتدى القومي حول التنوع الحيوي الذي أقيم في عام 1986، كما ظهر المصطلح لأول مرة في المطبوعات عام 1988، عندما استخدمه عالم الحشرات إي. أو. ويلسون كعنوان لأحداث المنتدى.
في الواقع، إن أول الأطروحات المعروفة التي تدور حول حماية البيئة والعلوم البيئية كانت أطروحات عربية كتبها الكندي، والرازي، وابن الجزار، والتميمي، والمسيحي، وابن سينا، وعلي بن رضوان، وابن النفيس. ولقد تناولت أعمالهم عددًا من الموضوعات المتعلقة بالتلوث مثل تلوث الهواء، والمياه، والتربة، والتعامل الخاطئ مع المخلفات الصلبة، وتقييم الأثر البيئي لقضايا محددة.
وكان هناك جدل شفهي وخطي شهير بين كل من ابن رضوان، الطبيب المصري، وابن بطلان، الشاعر العراقي خلَّف وراءه سلسلة من الأعمال الخاصة بالتطبيق العملي وأسلوب الحياة الصحي. لقد انتقد ابن رضوان، التابع الوفي لأبوقراط، ابن بطلان لعدم توجيهه الاهتمام الكافي للاختلافات المناخية بين المدن. وفي كتابه «دفع مضار الأبدان بأرض مصر»، يدافع عن المستوى العام للصحة في القاهرة، التي رآها ابن بطلان أقل نظافة من بغداد. ومن هنا، تحول الاهتمام بالبيئة إلى المزيد من الأبحاث والدراسات.
كان الجاحظ (781–869) أول عالم أحياء مسلم يضع نظرية للتطور. ولقد كتب عن آثار البيئة على أرجحية بقاء حيوان ما؛ وكان أول من وصف الصراع من أجل البقاء. وكان الجاحظ أيضًا أول من ناقش السلاسل الغذائية ومن أوائل مؤيدي نظرية الحتمية البيئية، والتي تقول إن البيئة يمكنها تحديد الخصائص الفيزيائية لسكان مجتمع معين وإن اختلاف ألوان البشرة عند البشر هو نتيجة للبيئة.
وعلى مر السنين، شهد العالم علامات تاريخية بارزة عن الدراسات المتعلقة «بالتنوع الحيوي». ومن أبرزها:
- «التاريخ الطبيعي للنباتات» و«أسباب النمو النباتي» لثيوفراستوس في 322 ق.م. واللذين ظلا أكثر الأطروحات الموثوق فيها عن النباتات لما يزيد عن 1.500 سنة.
- «كتاب الحشائش والأدوية» لبيدانيوس ديوسقوريدس عام 50م، الذي وصفت دراساته عددًا وافرًا من النباتات الطبية.
- الميكروسكوبات أحادية العدسات لأنطوني فان ليفينهوك عام 1673م التي وصل معدل تكبيرها إلى 250 مرة، ومكنته من رؤية ما لم يره أحد من قبل.
- كتاب «فلسفة علم الحيوان» لجان-باتيست پيير أنطوان دي مونيه لامارك عام 1809 والذي وضع جميع عناصر دراساته عن الكون.
- كتاب «أصل الأنواع» لتشارلز روبرت داروين عام 1859 والذي غير نظرة الإنسان لمكانه في الطبيعة.
- قوانين مندل الوراثية لعام 1865 ودراسات توماس هانت مورجان وتلاميذه ألفرد ستيرتفانت، وكالفن بريدجز، وهرمان مولر في 1910 عن توارث الجينات.
- اكتشاف مبيد الحشرات المعروف باسم دي. دي. تي (dichlorodiphenyltrichloroethane) على يد الكيميائي السويسري بول مولر عام 1939.
- تصنيف أشكال الحياة إلى خمس ممالك: الحيوانات والنباتات والفطريات والبكتيريا والطلائعيات، على يد روبرت ويتاكر عام 1969.
- استنساخ النعجة دوللي عام 1996.
- انتهاء مشروع عمل الجينوم البشري عام 2003.
سوف تستمر الدراسات عن التنوع الحيوي، فكل محطة تاريخية ما هي إلا خطوة في سبيل هذا الطريق الطويل من التطور.
*المقال بالتعاون مع رضا قنديل وماجي الشيراوي، أخصائيي وحدة البرامج والأنشطة بمركز القبة السماوية العلمي.
**المقال الأصلي منشور بنشرة مركز القبة السماوية، عدد عودة إلى الطبيعة (الفصل الدراسي الثاني 2009/ 2010).