في الوقت الحاضر، لا يتم إنجاز شيء تقريبًا دون الإنترنت؛ وتلك الأشياء تتنوع من العمل، والبحث، والدراسة، إلى صناعة الأفلام، وتسجيل الموسيقى، وخلق مجموعة لا نهائية من وسائل الترفيه. وكلما اعتمدنا أكثر على الإنترنت، بدت الحياة بدونها مستحيلة؛ ولكن، هل يمكن أن يشكل ذلك الاعتماد الأعمى تهديدًا؟ هل يمكن أن تصبح تلك الآلة الضخمة، التي ندعوها الإنترنت، مجرد شيئًا عابرًا في تاريخ البشرية؟ فهل يمكن أن تختفي في المستقبل القريب؟
أغلب الناس يتابعون حياتهم كما لو كانت الإنترنت موجودة دائمًا وستظل إلى الأبد. وأولئك الذين ولدوا في القرن العشرين قد شهدوا التطور الكبير والسريع الذي طرأ في التكنولوجيا والإنترنت. وبالتالي يعرفون جيدًا معنى الحياة بالإنترنت وبدونها، ويمكنهم على الأرجح التعامل بدونها، وإن فعلوا ذلك على مضض. إلا أن الأجيال الشابة تعتمد على الإنترنت بشكل يومي، وخاصة في استخدام شبكات التواصل الاجتماعي. فمن الواضح أنه يتم الاعتماد على الإنترنت بصورة كلية؛ إلا أن الإنترنت عرضة للخطر.
فالإنترنت عرضة للتلف بعدة طرق؛ فإن لم يكن الضرر ماديًّا، فإنه قد يكون افتراضيًّا. ومفهوم الإرهاب الإلكتروني ليس خيالاً؛ فلأن الإنترنت تملك كل نبضة معلوماتية، ولأن كل معلومة ترتبط بذلك الكائن الواحد، يصبح الأمر برمته مهددًا بالزوال بصورة كلية وفجائية.
ويعاني مستخدمو الكمبيوتر الشخصي التقليدي من الفيروسات، والبرمجيات الخبيثة، وقطاعات التخزين السيئة التي تؤثر على البيانات المختزنة؛ فماذا عن التفكير في فيروس واحد فقط جديد ذي قدرة على تدمير كل نبضة معلوماتية لها صلة بشبكة الإنترنت العملاقة؟
كما تتعطل الإنترنت في بعض الأماكن. والواقع أن هذا يحدث طوال الوقت، سواء كان السبب تعطل خادم معين للشبكة فيكون بحاجة إلى إعادة تشغيل أو إلى إحلال، أو تمزق كابل تحت الماء بفعل مرساة؛ وقد شهد العالم كل تلك الحوادث بالفعل، والتي أثرت على كل الدول تقريبًا. ومع ذلك، لكي تتعطل الإنترنت عالميًّا، سيستلزم الأمر أن تتوقف البروتوكولات التي تسمح للأجهزة بالتواصل عن العمل لسبب ما، أو أن تعاني البنية التحتية نفسها من أضرار جسيمة.
وهناك نقطة حرجة أخرى وهي أنظمة الاتصالات المتنقلة والأرضية والتي تعتمد بشكل رئيسي على شبكة الإنترنت في إدارتها، والتحكم بها، وتغطية المناطق التي بها خدمات الهاتف المحمول، وذلك لإجراء المكالمات أو جلسات الإنترنت؛ حيث إن البنية التحتية لتلك الخدمات تعد جزءًا من البنية التحتية لشبكة الإنترنت.
كما أن نقل الملفات بين أجهزة الكمبيوتر عن طريق خدمات الحوسبة السحابية قد تفشل أيضًا؛ فيصعب الوصول إلى المعلومات المختزنة في تلك الخدمات، وقد تُفقد جميع البيانات المخزنة بها.
من ثم، فقد حان الوقت لوقف الاعتماد على الإنترنت قبل أن يدمرنا. فقد نقوم بأعمال ذات معنى أكثر من ذلك الوقت الذي نمضيه في استخدام الإنترنت؛ مثل الكتابة، أو ممارسة التمارين، أو التعرف إلى أشخاص جدد، أو تقوية العلاقات الأسرية، أو تخزين البيانات على أقراص مدمجة على سبيل الاحتياط.
هذا لا يعني أن الإنترنت ضار، أو سيء؛ فمن الواضح أنه ليس كذلك. فالإنترنت أداة رائعة، وقد غير حياتنا للأفضل. فيمكن تشبيه الإنترنت بالحلوى؛ فهي ليست ضارة، ولكن إن أقمت نظامًا غذائيًّا يعتمد تمامًا عليها، فإنك تمرض وسريعًا ما يزداد وزنك.
وقد تم القيام بمحاولات من قبل لتقنين استخدامنا للإنترنت؛ فنتج عن تلك المحاولات نتائج مذهلة. فقم بإخراج جهاز المودم من منزلك لمدة ثلاثين يومًا، وتأكد من أنك لا تستطيع الوصول إليه؛ وحاول ألا تجعل حياتك معتمدة على الإنترنت بشكل كامل.
وعند قيامك بذلك، فستجد نفسك في حاجة لاستخدام الإنترنت للقيام بشيء "تافه"، ولكنك لن تتمكن من ذلك؛ ثم ستحتاج لاستخدام الإنترنت للقيام بشيء "هام"، فلن تستطيع القيام بذلك أيضًا. إنه تمامًا مثل الإقلاع عن التدخين؛ حيث تصبح لديك رغبة في استخدام الإنترنت، ولكن يلزمك بعض الوقت للتخلص من تلك الرغبة.
سوف تنزعج في البداية، ولكنك سوف تحيا، وسوف تُصبح حياتك أفضل بدون الإنترنت؛ فسوف تصبح قادرًا على القيام بأشياء مفيدة أكثر، وسوف تمحو بعض الاستياء في حياتك. سوف تشعر بالاسترخاء؛ لأنك سوف تبتعد عن القلق الذي يسببه عدم معرفة شيء هام ظهر لتوه على الإنترنت.
المراجع
brandingmagazine.com
collective-evolution.com
computer.howstuffworks.com
vice.com
المقال الأصلي منشور في مجلة «كوكب العلم»، عدد الحاجات الأساسية (شتاء 2015).