هل نستطيع تخيل طبيب يكشف على مرضاه بدون إضاءة؟ أو يجري عملية جراحية بدون كهرباء؟ أو يفحص مرضاه ويقوم بعمل الإشاعات والتحاليل اللازمة بدون مصدر للطاقة تعمل عليها الأجهزة؟ هل نستطيع أن نتخيل كيف تتعامل المناطق النائية والريفية مع هذه التحديات؟ لعل الآمال تتعلق بمصادر الطاقة المتجددة وأهمها الشمس، لعلها تقدم حلًّا لمشكلة نقص موارد الطاقة والكهرباء في هذه المناطق. فكيف توفر الطاقة المتجددة خدمة صحية أفضل للأهالي هناك دون الحاجة إلى تحمل تكلفة باهظة نظير ذلك؟
في السطور التالية نلقي نظرة على جهود برنامج الأمم المتحدة التنموي في زيمبابوي في هذا الشأن والتحديات التي واجهته. ففي المناطق النائية في إفريقيا، حيث وعورة التضاريس وصعوبة المناخ التي تتسبب في انقطاع الكهرباء، إذا ما تجاهلنا ارتفاع تكلفتها تكون سببًا لخسارة الأرواح؛ فمن يتخيل عيادة أو مركزًا طبيًّا أو مستشفى ولادة بدون كهرباء؟ إنه كابوس مفزع أن تحتاج حالة إلى تدخل طبي سريع، فنجد انقطاع الكهرباء يحول دون قيام الأطباء بأداء واجبهم، أو نرى الأطباء يطالبون المرضى بإحضار شموعهم معهم إذا ما احتاجوا إلى خدمة طبية ليلًا، أو استخدام كشافات هواتفهم المحمولة، وتراهم يتابعون في صمت حزين تدهور الحالة أو وفاتها مكتوفي الأيدي عاجزين.
ظهر برنامج الأمم المتحدة لاستخدام الطاقة الشمسية لتنمية المجال الصحي، حاملًا الأمل بدعمه الحكومات في دول مثل زيمبابوي، وزامبيا، ونيبال، وغيرها؛ وتمويله لوضع أنظمة شمسية في المراكز الصحية والعيادات الطبية في المناطق التي لا تصلها الكهرباء بانتظام. وساعد التركيز على تلك المناطق على منع مضاعفات ما بعد الولادة التي كانت سببًا في وفيات كثيرة سواء من جانب الأمهات، أو حديثي الولادة المحتاجين إلى رعاية خاصة وفحوصات أو حضانات لبعض الوقت لحين استقرار حالتهم.
كما أسهم البرنامج في حماية الأمصال والأدوية التي كانت دائمًا معرضة للتلف؛ حيث أصبحت إدارة سلسلة التبريد لها أثناء نقلها، وحفظها أسهل من ذي قبل. ويعد أبرز جهود برنامج الأمم المتحدة في هذا الشأن مخزن الأدوية القومي بزيمبابوي البالغ مساحته 7000 متر مربع، ما يعادل مساحة ملعب كرة قدم؛ حيث أنفق البرنامج على تغطية سطحه بالألواح الشمسية موفرًا بذلك الطاقة الكافية لتشغيل نظام تبريد مثالي لحفظ الأدوية والأمصال.
ويهدف البرنامج من خلال توفير الطاقة الكهربائية من الشمس إلى توفير نفقات تشغيل محطات توليد الكهرباء من الديزل؛ لكي تساهم هذه النفقات في تحسين الخدمات الصحية وتطبيقها على مساحات أوسع وأبعد لتخدم جمهورًا أكبر. وبتعاون البرنامج مع الحكومة والصندوق العالمي، أكمل تجهيز 405 مراكز للخدمات الطبية بالألواح الشمسية في عام 2017. وقُدِّرَ عائد الاستثمار 100٪ في 2-5 سنوات عند استخدام الأنظمة الشمسية، وهي نسب مبشرة ومحفزة للعمل على زيادة الاستثمار في إحلال محطات الطاقة الشمسية مكان المحطات القديمة التي كانت تنتج الكهرباء من الديزل.
ساهم البرنامج في حل مشكلات أخرى بيئية، مثل: تقليل انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون، وتخفيف وطأة مشكلات الاحتباس الحراري في هذه المناطق، رغم أن نسبة إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة لا تمثل أكثر من 12.1٪ من إجمالي الإنتاج العالمي للطاقة؛ مما يحثنا على بذل مزيد من الجهد لزيادة هذه النسبة. وقد وفر البرنامج لسكان هذه المناطق، التي كانت تُعد سابقًا معزولة ومنعدمة الخدمات، مستوى معيشة أكثر رفاهية عن ذي قبل، وخدمات صحية أفضل، وطاقة نظيفة في متناول اليد من خلال شراكات برنامج الأمم المتحدة مع الحكومات والصندوق العالمي، في إطار حرصه على تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي ألزم نفسه بها.
رفع البرنامج شعار «لن نترك أحدًا يتخلف عن ركبنا»، ملزمًا نفسه من خلال شراكته مع الحكومات باستهداف زيادة الاستثمار في هذا الشأن؛ لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بتغطية أغلب المناطق التي تعاني نقص الخدمات بسبب انقطاع الكهرباء، وإحلال محطات الطاقة الشمسية بحلول العام 2030.
المراجع
savinglivesustainably.org
stories.undp.org
undp-capacitydevelopment-health.org