يرى الخبراء أن الثورة القادمة في مجال المعلوماتية Informatics ستقودها الحوسبة الكمومية Quantum Computing؛ لما ستوفره هذه التكنولوجيا من قدرة هائلة على معالجة المعلومات، وإنجاز مهام، لطالما عجزت عن إنجازها الحواسيب التقليدية. فما الحوسبة الكمومية؟ وما استخداماتها؟ وما أهم العوائق التي تمنع تطويرها؟
والحوسبة الكمومية، أو الحوسبة الكمية أو الحساب الكمومي، ببساطة، طريقة جديدة في تصميم المعالجات الدقيقة Microprocessors؛ اعتمادًا على قوانين الفيزياء الكمية التي تنطبق على الأجسام متناهية الصغر (النانوية). وهذه القوانين تسمح بتخزين المعلومات بثلاث قيم؛ وهي: صفر، أو واحد، أو كلاهما في الوقت نفسه. ولتبسيط طريقة التخزين هذه، فسنفترض وجود مصباح، فسيكون إما مضيئًا، وإما غير مضيء، وإما في الحالتين في آن واحد. والحالة الأخيرة من طريقة التخزين تُسمى في الفيزياء بالتراكب الكمومي Quantum superposition، وتنص على إمكانية ربط جسيمين كميًّا للتعرف على حالة أحدهما، من خلال ملاحظة الجسيم الآخر، وإن كان على مسافة بعيدة.
ولتحقق الحواسيب الكمومية هدفها، تستخدم ما يُطلق عليه البتات الكمومية Quantum bits أو اختصارًا «كيوبت» Qubit، والتي تعمل بشكل مختلف عن مثلها في الحاسبات التقليدية. ولأن الحاسب الكمومي يستطيع معالجتها بشكل متزامن، فهذا يجعلهُ أسرع من الحواسيب التقليدية بملايين المرات. وفي المقابل، نجد أن الحاسوب في الحوسبة التقليدية يتكون من خوارزميات، وبتات، وسجلات، وبوابات منطقية، وأشياء أخرى.
أحد الأسباب الرئيسية التي تقف خلف السعي إلى تطوير هذه التكنولوجيا أن الترانزسترات (وهي الوحدات المسئولة عن التخزين والمعالجة داخل الحاسوب الاعتيادي) ستصل إلى أقصى حد ممكن من الصغر؛ ومن ثم، لا يمكن تطبيق «قانون مور» الذي ينص على إمكانية مضاعفة القدرة الحاسوبية كل ثمانية عشر شهرًا كما جرت العادة. علاوة على ذلك، يعتمد الحاسوب الكمومي نموذجًا آخر للحوسبة بخلاف نموذج «آلة تورنج»؛ وهو نموذج آلة تورنج الكمومية، أو ما يطلق عليه أحيانًا الحاسوب الكمومي الكوني.
وبإمكان الحوسبة الكمومية أن تحل كثيرًا من المعضلات التي لم يكن حلها ممكنًا في السابق في مجالات، مثل: الكيمياء، وعلم المواد، وإنتاج الأغذية، والفضاء. وأما في مجال قطاع المال، فسيكون لها دور كبير في التنبؤ بسوق الأوراق المالية حتى التنبؤ بتغيرات المناخ. ويجري الآن بناء ما يدعى «الإنترنت الكمومي»، الذي يصفه الباحثون بأنه سيكون غير قابل للاختراق؛ إذ لا يوجد نقل للبيانات.
نظرًا للفرص الهائلة التي تعدُ بها هذه التكنولوجيا، فإن شركات التكنولوجيا العملاقة مثل جوجل، وآي بي إم، وأبل، وإنتل، حتى الشركات الناشئة، تتنافس فيما بينها للاستحواذ على هذه التكنولوجيا. وقد نجحت شركة جوجل في تصنيع معالج كمي أُطلق عليه اسم «برايستلكون» Bristlecone بقدرة خمسين كيوبتًا، في حين نجحت شركة إنتل في تصنيع معالج أطلقت عليه اسم «تانجل ليك» Tangle Lake. وهذا بالإضافة إلى أن شركة آي بي إم كانت قد أعلنت في السابق عن توصلها إلى تصنيع معالج يحقق التفوق الكمي.
ومع هذا، فلن يصبح التوصل إلى تصنيع حاسوب كمي وعرضه في الأسواق أمرًا ممكنًا قبل بضع سنوات؛ فهي حساسة للغاية وتتطلب شروطًا معينة للعمل. فهي تتطلب مثلًا ضرورة توفير محيط مستقر وملائم لحاسوب كمي تقترب درجة حرارته من الصفر المطلق. وأما السبب الثاني، فيكمن في كيفية المحافظة على الاستقرار الكمي للحاسوب؛ فكلما زادت سعته مع زيادة عدد الكيوبتات، انخفض استقراره. ولذا، على العلماء التغلب على هذه التحديات في الطريق إلى التنفيذ الكامل.
صورة من رقاقة صنعتها شركة D-wave. صُممت للعمل بمنزلة معالج كمي فائق التوصيل بعدد 128-كيوبت. المصدر.
المراجع
ibelieveinsci.com
nasainarabic.net
syr-res.com