ذكرياتنا هي الصندوق الأسود بداخلنا؛ لأنها تمثل خبراتنا وثقافاتنا، وتشكل أيضًا طريقة تعاملنا مع الآخرين. ولكن، هل يمكن للعلم الحديث التحكم في الذاكرة البشرية؟ هذا ما يسعى إليه العلم الآن؛ إذ يحاول العلماء التسلل داخل أدمغتنا ومعرفة ما بداخلها. ليس ذلك فقط، بل التحكم فيها وتغييرها، وإدخال ذكريات جديدة ومحاولة محو القديمة. ولكن، كيف سيفعلون ذلك؟ وكيف سيستطيع العلم الاستفادة من قرصنة الذكريات؟
كثيرًا ما نرى في أفلام الخيال العلمي محاولات اختراق الذاكرة البشرية والسيطرة عليها لأغراض متعددة منها الطيب ومنها الشرير. ولكن، هل يأتي يوم يصبح فيه الخيال حقيقة علمية مثبتة بالنظريات والأبحاث؟ يسعى العلماء في قسم جراحة الأعصاب بجامعة أكسفورد، لوس أنجلوس، إلى اختراق الذاكرة البشرية بزرع شريحة من السيليكون تسمى المرآة السوداء؛ إذ تزرع في مخ الإنسان وتخزن عليها الذكريات المراد حفظها. ومن أجل أن تعمل هذه الشريحة كان عليهم دراسة ميكانيكية تخزين المعلومات في العقل البشري، وكيفية تحويلها إلى ذاكرة طويلة الأمد.
كيف تتكون الذكريات؟
اكتشف العلماء أن الجزء المسئول عن تحويل الذاكرة قصيرة الأمد إلى ذاكرة طويلة الأمد يسمى الحُصين (ippocampusH)، ويطلق عليه أيضًا قرن آمون. وهو جزء صغير ملتوٍ يشبه القرن يقع على جانبي المخ أسفل القشرة المخية. يأخذ هذا الحُصين ذكرياتنا وتجاربنا وخبراتنا، ويحولها إلى إشارات كهربية تنتقل من خلال النواقل العصبية، ويساعد المخ على تخزينها.
هل يمكن زراعة جهاز للذكريات في مخ الإنسان؟
يعمل الآن عالم أمريكي يُدعى ثيودور بيرجر على حفظ الإشارات العصبية على شريحة من السيليكون يمكن زراعتها في المخ لتقوم بوظيفة الحُصين وتحويل الذاكرة قصيرة الأمد إلى ذاكرة طويلة الأمد. كما يعمل على فهم وتطوير نظريات رياضية ليكشف كيفية سريان الإشارات الكهربية عبر المخ والنهايات العصبية لتُحفظ كذاكرة طويلة الأمد.
يذكر بيرجر أنه بإمكانه فعل ذلك مثلما نجح ابتكار كوشيلر في تحويل الصوت إلى إشارات كهربية مباشرة للعصب السمعي باختراع زراعة القوقعة لعلاج الصمم. ومن ثم، سيحول المعلومات والخبرات إلى إشارات كهربية يحفظها على شريحة من السيليكون تزرع في المخ. قد يبدو الموضوع معقدًا، ولكنه ليس مستحيلًا!
ما فائدة قرصنة الذكريات؟
الذكريات هي التي تكون حياتنا الآن. فهي طفولتنا، وعلمنا، وخبراتنا، وكل ما مررنا به في حياتنا. ومنها الذكريات السعيدة التي تعيننا في رحلة الحياة القاسية، ومنها الحزينة والمؤلمة التي قد تسبب لنا ندبة نفسية، فنحاول تناسيها مع ازدحام الحياة. إلا أن بعض المرضى لا يملكون هذا الخيار، فهم لا يتذكرون شيئًا من ماضيهم وتجاربهم، مثل مرضى الزهايمر وفقدان الذاكرة. فقد يساعدهم هذا الاكتشاف كثيرًا على تخزين ذكرياتهم على شريحة السيليكون، وزرعها في أدمغتهم لتساعدهم على أن يحيوا بطريقة طبيعية. ويمكن لهذا الاكتشاف أيضًا مساعدة المرضى النفسيين على نسيان ذكرياتهم المؤلمة التي سببت لهم هذا الاعتلال النفسي.
هل قرصنة الذكريات ضارة بالإنسان؟
إذا استطعت التحكم في ذكرياتي، امتلكت القدرة على التحكم في انفعالاتي وتصرفاتي وردود أفعالي. فالذكريات هي خلاصة خبراتنا السابقة؛ الأمر الذي قد تستخدمه بعض الجهات في إضافة أو محو معلومات مهمة ولا سيما إخفاء حقائق ما.
أخيرًا، أود أن أوضح أنه بحلول عام 2025 على الأرجح، سيتمكن العلماء من تسجيل إشارات المخ المسئولة عن الذكريات، والتحكم فيها، وتخزينها على شريحة سيليكون تزرع داخل المخ، ويمكنهم من خلالها التحكم في الذكريات. حقًّا من يملك العلم هو من يملك العالم، ويصنع التاريخ، والحاضر والمستقبل أيضًا.
المراجع
scientificamerican.com
securelist.com