ونحن صغار، تعلَّمنا أن لدينا «خمس حواس» فقط لترشدنا في الحياة؛ وإني لعلى يقين بأننا جميعًا نستطيع سردها: البصر، والسمع، والشم، والتذوق، واللمس. فمنذ نعومة أظافرنا ونحن في رياض الأطفال، تعلَّمنا أن هذه الحواس الخمسة هي النظم الحسية الوحيدة التي نمتلكها لتساعدنا على إدراك العالم من حولنا والمعلومات الخاصة به. كما تعلَّمنا فيما بعد أن أية قدرة أخرى بخلاف تلك الحواس لهي قدرة خارقة تخرج تمامًا عن نطاق العلم.
وبما أن أغلبنا يعتبر الحقائق التي نتعلمها في المدارس من المسلمات، فمن الممكن أن تكون فكرة «الحواس الخمسة» قد ظلت معنا إلى أن بلغنا رشدنا. ولكن في الواقع، ما درسناه لم يكن دقيقًا. فإذا سألنا أي طبيب أمراض عصبية معاصر عن عدد الحواس التي يمتلكها الإنسان، فستأتي الإجابة بأكثر من خمس حواس؛ حيث يحصي غالبيتهم ما بين أربع عشرة إلى إحدى وعشرين حاسة فعلية لم ندرس أغلبها في المدارس مُسبقًا.
والآن دعونا نسأل عن عدد الحواس التي نمتلكها بالفعل. فلم يزل العلماء عاجزين عن إيجاد إجابة محددة لهذا السؤال، إلا أنهم جميعًا يؤكدون أنهم أكثر من خمس حواس. والسبب في عدم إجماع العلماء على عددٍ محدد يرجع إلى اختلافهم حول مفهوم ما يشكل الحاسة.
فبينما يتفقون جميعًا على الحواس الخمسة الكلاسيكية، يعتقد بعض العلماء أنه يجب تقسيمها إلى مجموعات فرعية؛ على سبيل المثال، يفترض العلماء أنه يمكن تقسيم حاسة البصر إلى إدراك درجة كلٍّ من السطوع، واللون، والعمق. كما يزعم بعض الباحثين أنه يتعين على أية حاسة حقيقية ألا تستجيب مع إحدى الظواهر الفيزيائية فحسب، بل مع منطقة محددة في المخ أيضًا. وباستخدام هذا المعيار التصنيفي يميز معظم أطباء الأمراض العصبية خمس حواس إضافية على الأقل، هذا إلى جانب ست حواس داخلية أخرى، وهي حواس تتفاعل مع محفزات تحدث داخل الجسم.
1– الاتزان: وهذه الحاسة تستجيب للعضو الحسي السادس في جسم الإنسان، ألا وهو الجهاز الدهليزي. وعلى الرغم من أن الرؤية تلعب دورًا مهمًا في عملية الاتزان، فإن جهاز الدهليز التيهي الموجود داخل الأذنين الداخليتين هو العضو المسئول الأول عنها. وهذه الحاسة تمكِّن الكائن الحي من استشعار حركة جسمه، واتجاهه، وسرعته، ومن تحقيق التوازن الوضعي والمحافظة عليه.
2– إدراك الألم: على عكس الاعتقاد السائد، لا ترتبط هذه الحاسة بحاسة اللمس. فهناك ثلاثة أنواع مختلفة من مستقبلات الألم: مستقبلات جلدية (البشرة)، ومستقبلات جدارية (العظام والمفاصل)، ومستقبلات أحشائية (أعضاء الجسم)؛ وتتفاعل مع أنواع معينة من المحفزات؛ فبمجرد أن يصل التحفيز إلى نقطة معينة معروفة بـحد الألم يتم إرسال إشارات تتباين في قوتها إلى المخ عبر العمود الفقري، مما يسبب الشعور الذي ندركه ألمـًا.
3– التوضع (الوعي بحركة الجسم): تعطينا القدرة على معرفة كيف تتصل أجزاء جسمنا ببعضها. حتى وإن كانت عيوننا مقفلة فنحن نستشعر وضعية أجسامنا؛ حيث نعرف أين أذرعنا وأين سيقاننا، ونعلم ما إذا كنا نحركها أم لا. فتحتوي كلٌّ من العضلات، والأوتار، والمفاصل، والأذنين الداخلتين على مستقبلات حسية حركية، والتي تنقل المعلومات الموضعية إلى المخ؛ حيث يقوم المخ بدوره بتحليل هذه المعلومات؛ ليزودنا بالإحساس باتجاه الجسم وحركته.
4– الإدراك الحراري: تخبرنا بوجوب ارتداء ملابس أثقل عندما يزداد الجو برودةً، وأن نخلعها عندما يزداد دفئًا؛ فهي استشعار ارتفاع الحرارة أو انخفاضها. وتعتمد هذه الحاسة على المستقبلات الحرارية الموجودة على البشرة، والتي تستطيع استشعار حركة الطاقة الحرارية.
5– الإدراك الزمني: تشير إلى كيفية استشعار مرور الوقت وإدراكه. وعلى الرغم من أن هذه الحاسة ليست متعلقة بجهاز حسي معين، فإن أبحاث العلوم العصبية تشير إلى أن المخ البشري لديه نظام يحكم إدراك مرور الوقت، وهذا النظام يتكون من بنية واسعة الانتشار تضم القشرة الدماغية، والمخيخ، والعقد القاعدية.
على الرغم من أن القائمة السابقة ليست حصرية، فإنها تؤدي الغرض في توضيح أن «الحواس الخمسة» التي طرحها أرسطو ليست إلا مجموعة صغيرة من الحواس التي نمتلكها نحن البشر. فقد تكون الحواس الخمسة هي الحواس الأشهر، ولكن ذلك لا يعني بالضرورة أنها أهم من الحواس الأخرى. وهكذا، ربما حان الوقت لكي ننحي فكرة الحواس الخمسة بعيدًا، وأن نعطي لقدرات البشر الرائعة قدرها الصحيح.
المراجع
.Eugene T. Gendlin PhD., “Line by Line Commentary on Aristotle’s De Anima, Book III”, University of Chicago
jhupressblog.com
articles.mercola.com
www.ncbi.nlm.nih.gov
Cover image source
*منشور في نشرة مركز القبة السماوية، عدد تعرف على حواسك (صيف 2013).