يسعى الإنسان منذ قديم الزمان إلى تمثيل نفسه بطرقٍ شتى؛ فيمكننا تتبع ظهور الإنسان في الأعمال الفنية وصولاً إلى جدران الكهوف فيما قبل التاريخ. في ذلك الوقت أظهرت الرسوم الإنسان في مشاهد الصيد؛ حيث يلاحق الحيوانات البرية وينتصر عليها. وفي تلك العصور المبكرة من تطور الإنسان لم يكن الهدف من تلك الرسوم الزينة بطبيعة الحال؛ بل كانت تلك المشاهد التي تظهر فيها مجموعات من البشر، وهي تحيط بحيوان ضخم غارسة أسلحتها في جسده، تهدف إلى تحفيز الإنسان على تحقيق هدفه المتمثل في صيد ذلك الحيوان.
فبالنسبة لهم كان ذلك التصوير لما يتمنونه يساعدهم على تحويل تلك الأمنية إلى حقيقة؛ فكان من المعتقد أن لذلك التمثيل فعل السحر على الأحداث على أرض الواقع. كما كان تصوير الجسم في حد ذاته وسيلة للإنسان للتأكيد على وجوده أثناء عمره القصير؛ فكانت تلك طريقته في إعلان نفسه ووجوده للكون، وهي محاولة آملة في مواجهة يد القدر الماحية لكل شيء إن عاجلاً أم آجلاً.
وإرث الحضارة المصرية مصدر ثري لتصوير الإنسان؛ حيث يظهر الرجال والنساء في مشاهد يومية متنوعة، بينما ظهر الفراعنة، والملوك، والملكات في مشاهد انتصارهم على أعدائهم، أو تقديمهم للقرابين للآلهة، أو حتى مجرد الوقوف أو الجلوس في شموخ محدقين إلى ما لا نهاية تعبيرًا عن سلطانهم المتسع.
وقد تميز الأسلوب في اللوحات والجداريات المصرية القديمة؛ حيث اختار الفنانون المصريون القدماء تمثيل الجزء السفلي من جسم الإنسان – من الخصر إلى القدم – من الجانب، بينما رسموا الجزء العلوي من الجسم فيما عدا الرأس من الأمام؛ حيث صور الوجه أيضًا من الجانب بينما العين تنظر إلى الأمام. وقد تم تفسير ذلك بسذاجة من قبل البعض بضعف إمكانيات التصوير لدى الرسامين القدماء، وهو اعتقاد خاطئ ومسيء.
فعلى العكس تمامًا، فإن ذلك التمثيل رائع الحرية يكشف النقاب عن المستوى الإبداعي المتقدم وحرية الفكر لدى الفنانين المصريين القدماء. فقد تعمدوا تغيير النسب لتمثيل جسم الإنسان من أفضل الزوايا لكل جزء على حدة؛ الأمر الذي تمخض عن مستوى يطمح إليه بشدة من المثالية الجمالية.
وقدرات الفنانين على تصوير اللوحات المحاكية للواقع تثبته العديد من الأدلة الأقل تقليدية المتمثلة في الرسومات المبدئية للأجسام على البرديات والأحجار؛ حيث كان يتدرب الفنانون. وفي تلك الرسومات كان يعبر الفنانون عن أنفسهم بمنتهى الحرية مظهرين قدراتهم على تصوير جسم الإنسان في صور لم تكن مقبولة في المعابد والمشاهد الجنائزية.
هنا أيضًا يستخدم الفن تمثيل جسم الإنسان في خدمة رسالة ما يرغب الإنسان في توصيلها لأقرانه: الملك عظيم؛ فهو صاحب الجسم الأكثر مثالية، وهو أضخم من أي شخص آخر، ويقطن في صحبة الآلهة. إنه التسويق في أحدث مفاهيمه!
التعليق على الصورة:
رمسيس الثاني منتصرًا على أعدائه، جدارية من ممفيس.
المراجع
[i] http://blogs.getty.edu/iris/werner-herzog-jean-clottes-and-the-origins-of-art/