جلس «أحمد» ذو الخمسة عشر عامًا وسط أسرته الصغيرة في انتظار مشاهدة مسلسلهم اليومي المفضل في أجواء أسرية سعيدة. وفجأة وسط هذ التجمع، سمع صوت عطسة أخته الصغيرة «مي» ذات الثمانية أعوام؛ فتنبه لها ونظر حوله، فلم يجد أحدًا يولي الأمر اهتمامًا. وبعد دقائق قليلة، عطست الصغيرة مرة ثانية؛ فترقب أحمد تعليقًا من الجالسين، ولكن لا حياة لمن تنادي! وكلما شرع أحد في الكلام، تنبه له أحمد ليجده يتحدث عن أمر آخر من أمور الدنيا.
شعر أحمد بقلق شديد، لأنه اليوم بدأ يشعر بالتهاب في الحلق واحتقان أنفي، ولكنه حاول إخفاء الأمر. فتأمل والديه وتعجب لعدم اهتمامهم بعطاس أخته المتكرر؛ فمنذ ثلاثة أشهر فقط تكرر الموقف ذاته معه، وأعلنت الأسرة حالة الطوارئ القصوى، وعُزل أحمد في غرفته تحسبًا لإصابته بفيروس كورونا المستجد. «ما الذي تغير الآن؟ هل يفرق أبي وأمي بيننا في المعاملة؟» تسائل أحمد وأنغمس في أفكاره حتى سمع ناقوس الخطر مجددًا؛ ولكن هذه المرة كان مصدره الأب!
نظر أحمد حوله مرة أخرى، وأدرك مع صوت العطسة أن أبيه لم يخرج من المنزل منذ أسبوع مضى. فتذكر أنه عندما خرج لشراء بعض مستلزمات المنزل لوالدته منذ أسبوعين، التقى جارهم «الأستاذ إسماعيل»، وقد علم أمس أنه أُصيب بوباء فيروس كورونا المستجد. فحاول أحمد جاهدًا تذكر تفاصيل لقائه بأستاذ إسماعيل، فاضطربت أفكاره وازدادت حيرته: «لقد كنت مرتديًّا كمامة واقية، وحافظت على المسافة الآمنة بيننا، وعندما عدت إلى المنزل غسلت يداي بالطريقة الصحيحة! فهل أُصبت بالفيروس؟ هل سأتسبب في هلاك أسرتي؟»
ترقب أحمد ردة فعل أمه، فهي طبيبة متقاعدة؛ فسمعها أخيرًا تعلق على الأمر قائلة: «لقد تحدثنا كثيرًا عن شرب الماء المثلج، أليس كذلك؟ اغسلا أيديكما مجددًا وارتاحا، وسأصنع لنا جميعًا أكواب الليمون الدافئة»، ثم توجهت إلى المطبخ. «ليمون!» دُهش أحمد لردها وتسلل ورائها إلى المطبخ ليشاركها أفكاره، والتي حاول ترتيبها فخرجت كلماته: «أنا لا أشرب الماء المثلج، ومع ذلك أشعر بألم في حلقي، ألا تشعرين بشيء يا أمي؟» ضحكت الأم وقالت: «أتابعك يا ولدي منذ عطسة أختك الأولى وأرى نظرات التعجب والحيرة في عينيك؛ أتعتقد أننا مصابون بفيروس كوفيد-19؟» أجابها: «ولم لا؟ إنها الأعراض، ألا تلاحظين؟ فجارنا...»، فقاطعته: «اهدأ يا عزيزي، إنها الإنفلونزا الموسمية!»
أردفت الأم حديثها قائلة: «هل تعتقد أن أمك قد تغفل مثل هذا الأمر؟ لا تقلق يا عزيزي، فأنا أتابع التغيرات الصحية التي تطرأ في منزلنا يوميًّا. ولكن مثلما تعي أعراض فيروس كوفيد-19 جيدًّا بفضل الحملات الإعلامية، عليك أن تعي أعراض فيروس الإنفلونزا أيضًا، وأوجه التشابه والفرق بينهما. فكلا الفيروسين يصيب الجهاز التنفسي ومعدٍ؛ إذ ينتقلان باللمس والقطيرات. ويتسبب الفيروسان في بعض الأعراض المتشابهة وقد يصعب التفرقة بينها؛ ولتأكيد التشخيص قد نحتاج إلى إجراء بعض التحاليل. ولكن، بناءً على أفضل المعلومات المتاحة إلى الآن، هناك اختلافات رئيسية بينهما؛ فمثلًا، قد تُسبب فيروسات الإنفلونزا مرضًا خفيفًا أو شديدًا يشمل أعراض الأنفلونزا الشائعة، ولكن أعراض فيروس كوفيد-19 قد تشمل أعراض أخرى، مثل تغيُّر حاستي التذوق والشم».
«تبدأ أعراض الأنفلونزا الموسمية في الظهور عادة من نهاية شهر سبتمبر إلى نهاية فصل الشتاء، ولكننا انشغلنا هذا العام بمتابعة مستجدات فيروس كوفيد-19، ونسينا أخذ التطعيم قبل بدء الموسم للوقاية من الإصابة؛ رغم أنه كان أمرًا ضروريًّا هذا العام أكثر من أي وقت مضى. فرغم أن اللقاح لن يحمينا من كوفيد-19، فهو يقلل من مخاطر الإصابة بالإنفلونزا، ويسهم في توفير موارد صحية لرعاية المصابين بكوفيد-19 أيضًا. ولذلك تُعد تدابير الصحة العامة مهمة وكافية للوقاية من العدوى؛ ومن خلال متابعتي لأعراض أبيك وأختك، الحمد لله لم يشهدا أية مضاعفات، ولكنك انشغلت في الفترة الماضية عنا بالألعاب الإلكترونية وبمواقع التواصل الاجتماعي، ولم تدرك أن أبيك وأختك أجريا التحليلات اللازمة، كما أن حالتهما قد تحسنت كثيرًا».
ومع انتهائها من صنع أكواب الليمون، ناولت أحمد واحدًا قائلة: «أنا أمكم، وأعرف عنكم أكثر مما تعرفون عن أنفسكم، والآن عليك أن تجلس بعيدًا عن أبيك وأختك، ومساعدتي في التأكد من التزامهم بالخطوات الوقائية كي لا نمرض أيضًا». حينها، شعر أحمد براحة شديدة أنسته ألم حلقه، وشكر أمه قائلًا: «صدقت يا أمي، أنتِ تعرفين أكثر!»
المراجع
cdc.gov/coronavirus
cdc.gov/flu
cdc.gov/flu/prevention
cdc.gov/flu-guide-for-parents
who.int
Cover image: Family vector created by pikisuperstar - www.freepik.com