إن تساءلت عن ماهية التعبير عن الذات، أقول لك إنه قدرة المرء على إظهار أفكاره أو مشاعره أو آرائه أو مشاعره وقيامه بذلك. وقد يكون ذلك بالحديث أو بالكتابة، أو من خلال أحد أشكال الفنون التي لا مجال لحصرها. كما يكون التعبير عن الذات أيضًا من خلال لغة الجسد أو المظهر؛ سواء الملبس، أو طريقة تصفيف الشعر، أو ديكور المنزل، إلى آخرها من المظاهر.
إن التعبير عن الذات لأمرٌ حيوي للحياة، مثله مثل التنفس. فهو كيفية تفاعلنا مع الآخرين ومع العالم حولنا؛ ويمكنه أن يكون مجزيًا للغاية أو محبطًا للغاية. فأحيانًا لا نحتاج حتى إلى التفكير في كيفية التعبير عن واقعنا الداخلي للآخرين؛ حيث يحدث ذلك تلقائيًّا. وأحيانًا أخرى نعاني لنعبر عن شيء ما؛ فيخيب أملنا عندما لا نستطيع توصيل مقصدنا.
في بعض الأحيان لا يكون لدينا ما يكفي من الإلهام أو الإبداع لنعرف ما هو ذلك الذي نريد التعبير عنه، وفي أحيان أخرى قد يكون لدينا فكرة عمَّا نريد أن نوصله ولكننا لا نعرف كيف نظهره. ويعاني بعضنا من صعوبة التعبير بسبب الخجل، أو عدم الثقة في النفس، أو لمجرد الشعور بافتقار المهارات اللازمة للتعبير.
وإحدى وسائل التعبير عن الذات هي الفن؛ فمهما خشيت التعبير عن ذاتك، تذكر أن هناك وسائل عدة للتواصل.
فمن التلوين بالأصابع إلى رسم اللوحات الطبيعية شديدة التعقيد، ومن عدوية لمحمد عبد الوهاب، يحفز الفن الصحة الروحية. وبالفعل، فعلى مر العصور استخدم البشر الفن للحث على التغيير الإيجابي في أنفسهم وفي علاقاتهم بالعالم الخارجي. والفن يحث على البحث في الذات من خلال التعبير عنها أو بالغوص في صراعاتها الداخلية، سواء بالإنصات أو بالرؤية؛ فالتعبير الفني يرسخ كيفية تأثير العوامل الخارجية على حياتنا.
حتى وإن لم يكن لدينا القدرة التقنية على كتابة الشعر أو الرسم، يستخدم معظمنا الحواس لربط الإحساس أو المحتوى في عملٍ ما بمعاناتنا الشخصية. فلكلٍّ منا أغنية ما تذكره بطفولته، ولكلٍّ منا مشهد ما يثير في نفسه الإحساس بالسعادة أو الندم. ففي نهاية المطاف كلنا مترابطون من خلال الفن رغمًا عن المستويات المتفاوتة لمهاراتنا.
فيسهل لنا الفن الشعور بالزهو، كما يخفض من مستويات الضغط والتوتر؛ الأمر الذي من شأنه مساعدة الجميع على التغلب على أية محنة. فالبدء في أية مهمة والانتهاء منها واختبار المنتج النهائي يؤدي إلى شعور لا مثيل له من الإنتاجية والقيمة. وبالمثل، فبعد دراسة عمل ما أو إبداعه يمكننا الاستمتاع بالمنتج ومشاركته مع الأحباء.
على الرغم من أن الفن يربط بين الناس، فإنه يمكنه أيضًا إضفاء شعور باستقلالية الرأي والأفعال. فبعيدًا عن مواعيد العمل، وبعيدًا عن الضغوطات العائلية، وبعيدًا عن التوقعات المجتمعية، يضع الانخراط في الفن المرء في موقع السيطرة. فلا يمكن لأحد فرض ما يمكن الاستماع إليه، أو الألوان المسموح بها، أو ما يجب أن يحث الإلهام؛ فالرحلة إلى الصحة الروحية من هذا المنطلق هي رحلة فردية.
فكلنا نتفاعل مع الفن بصفة يومية؛ إلا أن قليلين فقط هم من يتوقفون للتفكر في تلك الأشكال من التعبير أكثر من كونها جميلة الشكل أو ذات إيقاع جذاب، دون أن يدركوا تأثيرها على الصحة الروحية. فبالتأمل في قطعة موسيقية مفعمة بالمشاعر، أو بالانخراط في رسم شخص محبوب، يحث الفن على الاستقلالية والارتباط بالآخرين على حدٍّ سواء.
المراجع
www.desert-alchemy.com
www.eachmindmatters.org
www.themindfulword.org
صورة الغلاف
«الصرخة» لإدوارد مونش (1863-1944) – من متحف شبكة الإنترنت (ibiblioPage). "الصرخة" هو الاسم الشائع لكل من أربع نسخ من عمل – منتج في صورة لوحات زيتية وباستل – للفنان التعبيري النرويجي إدوارد مونش ما بين عامي 1893 و1910. و"صرخة الطبيعة" هو الاسم الذي أطلقه مونش على تلك الأعمال، وكلها يظهر فيها شخص على محياه تعبير مؤلم، ومن ورائه خلفية طبيعية لسماء برتقالية صاخبة.