يقضي أغلبنا نحن – الراشدين – نحو ثلث يومنا في العمل. أحيانًا، تأخذنا المهمات العديدة التي يتعين علينا إتمامها قبل انقضاء ساعات العمل لنشعر بغتةً بإرهاق أو ألمٍ جسدي. وفي الواقع، هناك عوامل عديدة تؤثر في صحتنا في مكان العمل، وهي مرتبطة ببيئة العمل، والمواد التي نتعامل معها، والآلات، ووضعيات الجسم، وغيرها. هكذا، يتعين على أصحاب الأعمال اعتبار هذه العوامل للحفاظ على صحة القوة العاملة، وزيادة الإنتاجية، وتجنب الإصابة بالأمراض المهنية.
تُعرِّف منظمة الصحة العالمية الأمراض المهنية بالأمراض التي «تنجم بشكلٍ مباشر عن التعرض للمخاطر المرتبطة بنشاط العمل». دعونا نستعرض بعض أشهر الأمراض المهنية، ونتعرف كيفية الوقاية منها.
متلازمة الإجهاد المتكرر المهنية
تُعدُّ متلازمة الإجهاد المتكرر المهنية من بين أكثر الأمراض المهنية شيوعًا. وكما يشير الاسم، فإن هذه الحالة تحدث نتيجة القيام بنشاط معين لفترة زمنية طويلة ينطوي على إجهاد متكرر للمنطقة المصابة. بعبارة أخرى، تحدث المتلازمة نتيجة ممارسة أي نشاط متكرر يتسبب في انقباض العضلات والضغط عليها لفترات طويلة. على سبيل المثال، من شأن وضعيات الجلوس الخاطئة لفترات طويلة للموظفين المكتبيين أن تؤدي إلى الإصابة بمتلازمة الإجهاد المتكرر المهنية.
تتطور أعراض متلازمة الإجهاد المتكرر المهنية بالتدريج وتسوء مع الوقت. وإن لم تعالج الحالة، فقد تؤدي هذه المتلازمة إلى وهن العضلات، وحرقان في الأنسجة، واضطرابات في النوم. وتضم الأعراض البسيطة للمتلازمة الإرهاق، والصداع، والقلق، وفقدان التركيز. ومن الممكن أيضًا أن يعاني المريض من الشعور بالتنميل والوخز، والتشنجات، وعدم الراحة، والألم المستمر في العضلات، والمفاصل، والأوتار، والأعصاب.
يتضمن علاج المتلازمة تناول أدوية مسكنة للألم ومضادة للالتهاب، وممارسة تمارين الاسترخاء، والخضوع للعلاج الطبيعي. وللوقاية من متلازمة الإجهاد المتكرر المهنية، على العاملين والموظفين تجنب القيام بحركات متكررة لفترات مطولة، وأخذ فترات استراحة، والجلوس في وضعيات سليمة، والحفاظ على مستوى جيد من اللياقة البدنية.
الاضطرابات العضلية الهيكلية المهنية
الاضطرابات العضلية الهيكلية المهنية هي مجموعة من الاضطرابات المؤلمة التي تصيب العضلات والأوتار والأعصاب. وتنجم هذه الاضطرابات عن حركات الذراع واليد المتكررة أو القوية أو السريعة، والتعرض لدرجات الحرارة القاسية والاهتزازات.
تحدث إصابات العضلات نتيجة لانقباض العضلات لفترات طويلة؛ وهو ما يؤثر بالسلب في الدورة الدموية فيها. ونتيجة لهذا، تتراكم بعض المواد التي تُنتج داخل العضلات مسببة للتهيج والآلام. هذا، وتتوقف شدة الألم على مدة الانقباضات وفترات الراحة المتاحة بين هذه الأنشطة، والتي من شأنها أن تسمح لهذه المواد المهيجة أن تتحرك مع الدورة الدموية.
على صعيد آخر، يمكن أن تحدث إصابات الأوتار في الأوتار ذات الأغماد الموجودة في اليد والرسغ. مع تكرار الحركة أو المبالغة فيها، يقل السائل المسئول عن تليين الاحتكاك بين الوتر وغمده ويقل تأثيره؛ فيسبب التهابًا وتورمًا في المنطقة. وعلى صعيد آخر، توجد الأوتار التي لا أغماد لها في الكتف والكوع والساعد؛ حيث قد تتمزق هذه الأربطة عند تعرضها للضغط بشكلٍ متكرر.
تتضرر الأوتار نتيجة الحركة المتكررة والوضعيات الخاطئة؛ وهو ما يجعل الأنسجة المحيطة بها تتورم وتضغط عليها. ويؤدي انضغاط الأوتار إلى ضعف العضلات ويسبب الشعور بالتنميل والوخز.
من الممكن أن تتطور أعراض الاضطرابات العضلية الهيكلية المهنية لتصبح حادة؛ ومن ثم، فإن علاجها يتراوح من العلاجات الموضعية إلى العمليات الجراحية. ولتجنب الإصابة بمثل هذه الاضطرابات، يُنصح أصحاب الأعمال بميكنة المهمات التي تهدد صحة الإنسان، وبتطبيق منهج دوري في إسناد الأعمال إلى العاملين؛ بحيث ينتقل العامل بين مهمات مختلفة تعتمد على مجموعات مختلفة من العضلات.
أعتقد أن على كلِّ فرد منا أن يعيد النظر في روتينه اليومي في مكان العمل، ويبحث عن مصادر التهديد المحتملة لصحته وسلامته والمخاطر التي قد يتعرض لها. تحدث مع صاحب العمل ومع زملائك، وشاركهم في المعرفة، وروِّج للممارسات الصحية. وأخيرًا وليس آخرًا، تذكَّر دائمًا أن صحتك بالدنيا.
المراجع
southerncross.co.nz
ccohs.ca
cupe.ca
dovemed.com
wsps.ca
debgroup.com
مصدر صورة الغلاف
المقال منشور في مجلة كوكب العلم المطبوعة، عدد ربيع 2018.