ولدت فلورنس نايتينجيل مؤسِّسة علم التمريض الحديث في 1820 لعائلة ثرية لم تتخطى توقعاتها لمستقبل ابنتها أن تتزوج زيجة مُرضية وتعيش حياة أرستقراطية. غير أن الابنة كان لديها خطة أخرى انتهت إلى تركها لتراثٍ لم يزل يحتفى به عبر سنوات طويلة.
فقط أظهرت فلورنس شغفًا بالتمريض، وبدأت في 1844 رغم معارضة والديها في زيارة المستشفيات والمعاهد الطبية. وقد زادت رغبتها في العمل في مجال الطب عندما قابلت إليزابيث بلاكويل – أول طبيبة أمريكية – خلال زيارتها إلى لندن؛ حيث شجعتها على الإصرار لإقناع والديها وتحقيق ما تتمناه.
وبمجرد أن أذعن والديها لشغفها الجامح بالتمريض في 1851، تمرنت فلورنس لمدة ثلاثة أشهر في ألمانيا. وقد أهلها ذلك لتعمل مديرة بمستشفى للسيدات في لندن عام 1853. وفي العام التالي، نشبت حرب القرم ونشرت الصحف أخبارًا عن تردي مرافق الرعاية الصحية للجرحى من الجنود البريطانيين.
وهكذا، قادت فلورنس فريقًا من ثمان وثلاثين ممرضة لإدارة المستشفى الميداني في الثكنات. وهناك، وجدت المكان في حالة مزرية من القذارة والازدحام، ووجدت الإمدادات غير كافية. واشترت فلورنس المعدات المطلوبة معتمدة على تمويل من التايمز اللندنية، وأعدت قائمة بأسماء زوجات الجنود ليساعدن في تنظيف الملابس. والأهم من ذلك أنها وضعت معايير للرعاية جعلت فيها الاستحمام، ونظافة الملابس والمفروشات، والطعام الصحي من الأساسيات.
كما اهتمت فلورنس بالاحتياجات النفسية للمصابين من خلال مساعدتهم في كتابة الرسائل إلى أقاربهم وتنظيم أنشطة تعليمية واستجمامية. وكانت تقوم بالمرور في الأروقة ليلاً لتدعِّم المرضى، ومن هنا لُقِّبت بـ"السيدة حاملة المصباح". وقد أثمرت جهودها عن تخفيض معدل الوفيات بين الجرحى من الجنود إلى 2%.
في عام 1860، أسست فلورنس مدرسة نايتينجيل لتدريب الممرضات بلندن. وقد تخرج منها ممرضات أرسلوا لمختلف المستشفيات حول بريطانيا، ونشرن ما تعلمنه هناك وقمن بعمل تدريبات للتمريض على منهج نايتينجيل. وبعد مرور سنوات قليلة، افتتحت كلية الطب للسيدات بمساعدة صديقتها، الطبيبة إليزابيت بلاكويل.
كانت نظريات نايتينجيل التي دونتها في مؤلفها "ملاحظات في التمريض" (Notes on Nursing) الذي نشر في 1860 مؤثرة جدًّا. وقد أثمر اهتمامها بالصحة العامة، وبالرعاية الصحية للجنود، وتخطيط المستشفيات عن ممارسات لا تزال موجودة حتى يومنا هذا. وقد تقلدت نايتينجيل بأوسمة وجوائز رفيعة المستوى من مختلف البلدان تقديرًا لإسهاماتها البارزة، وتوفيت في 1910.
حقوق الصورة: © Solent NHS 2021
المقال الأصلي منشور في مجلة كوكب العلم، عدد ربيع 2014.