إن حالات الحمى النزفية، وكذلك فيروس نقص المناعة البشرية، والطاعون، والإنفلونزا الوبائية، والجذام، وغيرها من الأمراض – توضح لنا كيف أنه في حالات عدة تتطور العوامل المعدية داخل الحيوانات، حتى تحدث طفرة بالصدفة، فتصبح قادرة على إصابة البشر؛ بل كذلك الانتقال من إنسان إلى آخر. فكم «قنبلة موقوتة» موجودة بالفعل على الكوكب توشك أن تنفجر؟ بمعنى آخر، كم عاملًا معديًا قد يمثل خطرًا جديدًا على البشرية؟ على الأرجح هنالك الآلاف، إلا أنه يصعب وضع تقدير دقيق؛ وأغلبها لن يشكل خطرًا، ولكن على الأغلب أن أحدها سيصبح كذلك.
وعليه، فالوضع المثالي بالنسبة إلينا البشر هو أن نستعد مسبقًا على أمل أن نكون مجهزين لمواجهة ظهور عوامل معدية جديدة؛ أي أن نكون على أهبة الاستعداد لإصابتها في مقتل قبل أن يتهيأ لها التفشي. وقد يبدو الأمر كالخيال العلمي، وهو كذلك إلى حد ما؛ إلا أن هناك من يعملون بكدٍّ لتحقيق ذلك. هؤلاء هم الباحثون المنخرطون في المشروع الطموح «بريديكت Predict» أي «توقع»، والذي يدعمه عدد من الجامعات والمؤسسات الأمريكية. يهدف المشروع إلى تصنيف الميكروبات في الحيوانات وتحديد تلك التي من المحتمل أن تصبح خطرًا علينا؛ وذلك حتى لا تفاجئنا دون أن نكون مستعدين لها. ومن هذا المنطلق يبدو مطمحًا خارقًا ما يشبه البحث عن إبرة في كومة قش. وبالطبع، دون محالة يتحتم تضييق نطاق البحث؛ بحيث يتم التركيز أولًا وقبل أي شيء في الفصائل التي أثبتت بالفعل أنها قد تكون حاضنًا ملائمًا للآفات التي يمكن أن تنتقل إلى البشر.
Copyright: © 2013 Alan Harper. CC BY-NC 3.0.
وعلى سبيل المثال، فهذا كيفين أوليفال صائد فيروسات يشارك في مشروع «بريديكت»، وقد تحدث عن عمله في لقاء نشر في مجلة مؤسسة سميثسونيان، وهي إحدى المؤسسات المشاركة في المشروع. يقوم أوليفال بتمشيط الغابات الواقعة في الجزء الجنوبي من الجزيرة الإندونيسية «سولاويزي» بحثًا عن الخفافيش والثعالب الطائرة للحصول على عينات دم وأنسجة. ومن ثم ترسل تلك العينات لمعامل مختصة؛ حيث تحلل بحثًا عن آثار للفيروسات المشتبه فيها. وقد حُدِّد ألف فيروس على الأقل، كثير منها يمكن أن تطور لتصبح عدوًّا لنا.
يستخدم هذا النوع من الأبحاث أيضًا في توقع الأماكن الأكثر عرضة في العالم لوجود كثافة عالية من العوامل المعدية التي من شأنها أن تتسبب في ظهور حالات طوارئ صحية والفصائل التي قد تستضيفها. «نحاول أن نجعل البلورة السحرية أكثر وضوحًا؛ فهي معتمة للغاية»، هذا ما كتب في المقال نفسه بقلم جونا مازيت (المدير العام لمشروع بريديكت) وهو عالم أوبئة بجامعة كاليفورنيا في دايفيس.
وبالإضافة إلى العوامل المعدية الجديدة التي يمكن للحيوانات حملها لنا، هناك غيرها الكثير الذي يمكن للفصائل المختلفة أن تنقله وهي مكيفة تمامًا لتتحكم في أجسامنا. فتنتقل كثير منها عبر الناموس، ولذلك تعرفه منظمة الصحة العالمية بأنه «أحد أكثر الكائنات المميتة في العالم». ولكن ليس كل الناموس هكذا؛ فمن بين حوالي 3000 نوع نعرفه، ثلثها (فقط) يمكنه نقل الأمراض إلينا. إلا أن الدمار الذي تسببه هائل. على سبيل المثال، فما زالت الملاريا تقتل أكثر من 400.000 شخص سنويًّا، أي نحو 9 من 10 أشخاص في إفريقيا.
هناك أيضًا حمى الضنك، وحالاتها – حسب منظمة الصحة العالمية – قد زادت ثلاثين مرة في الثلاثين عامًا الماضية. لا تشخص دائمًا بشكل صحيح؛ لكن يقدر أنها تصيب 96 مليون شخص سنويًّا، وهكذا فإن أربعة مليارات شخص موزعين في 128 دولة في خطر الإصابة بهذا المرض. ويقدر أن نصف مليون شخص كل عام تظهر لديهم أعراض الحمى بشكل شديد يصل إلى الحاجة إلى دخول المستشفى رغم عدم وجود العلاج الموجه؛ ويقدر عدد الضحايا بالآلاف سنويًّا، وخاصة الأطفال.
كذلك يوجد عدد لا حصر له من الأمراض الأخرى التي يحملها الناموس، مثل: حمى الصفراء، وحمى غرب النيل، وفيروس زيكا الذي يعد حاليًّا خطرًا عندما تصاب به امرأة حامل فقط؛ لأنه يصيب الجنين بعيب خلقي. صُممت استراتيجيات أكثر تنوعًا لمحاربة الأمراض التي يحملها الناموس؛ وأكثرها ضراوة التي تقضي على أنواع الناموس القادرة على نقل الأمراض المختلفة، على الأقل؛ لأن وجودها يتسبب في ضرر أكبر. ولتحقيق هذا الهدف، فأحد الاحتمالات استخدام التعديلات الجينية لجعلها عاقرًا؛ فلا تتكاثر.
إلا أن القضاء على أي نوع من الكائنات الحية خيار نادرًا ما يُلجأ إليه؛ لأنه يعني تغيير النظام البيئي. وبالرغم من هذا، فإن الخطر الذي يشكله بعض أنواع الناموس كبير لدرجة مخيفة؛ ولهذا يُنظر في تنفيذ ذلك الخيار.
Copyright © The Regents of the University of California, Davis campus. All rights reserved.
*مأخوذ عن باربرا جالافوتي (2019). «أبشع الأوبئة؛ كيف ندافع عن أنفسنا – كل ما يجب أن تعرفه عن الميكروبات». نشر بمعرفة دار نشر دونزيلي.
حقوق الصورة الرئيسية: SIMON TOWNSLEY
مصدر الصورة الرئيسية: PREDICT Consortium. Advancing Global Health Security at the Frontiers of Disease Emergence. One Health Institute, University of California, Davis, December 2020, 596 pp.
المقال الأصلي منشور في مجلة كوكب العلم، عدد شتاء 2020.