بعد أيام من العمل المضنِ، حُررت سفينة الحاويات «إيفر جيفن»، لتسمح أخيرًا باستئناف حركة التجارة العالمية عبر قناة السويس. فقد جنحت سفية الحاويات العملاقة إيفر جيفين التي تملكها اليابان وتديرها تايوان في قتاة السويس، تلك القناة ذات الأهمية العالمية، في يوم 23 مارس 2021. يبلغ طول السفينة 400 متر، أي يعادل عرض قناة السويس، وقد جنحت لتسد الممر المائي تمامًا وتصيب حركة التجارة العالمية بالشلل. الآن وقد تحركت السفينة، تتجه الأنظار نحو التحقيقات حول أسباب الحادث. وفي ضوء تلك الحادثة، اخترنا لكم ثلاث ظواهر فيزيائية تؤثر في السفن في أثناء عبورها الممرات المائية الضيقة لنتناولها في هذا الموضوع؛ وهي: تأثير القرفصاء (Squat effect)، وتأثير الضفة (Bank effect)، وتأثير تراكم المياه بين مقدمة السفينة والضفة (Bank cushion effect).
دعونا نتطرق إلى بعض الأساسيات في البداية: كيف تطفو السفن على الماء؟ هناك قوي مختلفة تؤثر في الأجسام، ويُعرف مجموع تلك القوى بمحصلة القوى. عندما تكون القوى المؤثرة في جسم ما غير متكافئة، يكون لمحصلة القوة تأثير في حركته. وهناك قوتان تؤثران في السفن: قوة الجاذبية التي تشدها إلى الأسفل أو تغرقها، وقوة الطفو التي تجعلها تطفو. تلك القوتان متكافئتان في القدر ومتعاكستان في الاتجاه، وهكذا فهما تلغيان تأثير بعضهما في بعض، لتكون قيمة محصلة القوى صفرًا. نتيجة لهذا، تستطيع السفن الحفاظ على وضعها المثالي في المياه.
الشكل 1: تسمح محصلة القوى المساوية لصفر للسفينة بالطفو. المصدر.
يحدث تأثير القرفصاء نتيجة انخفاض الضغط تحت السفينة في المياة الضحلة؛ ولكن لماذا ينخفض الضغط؟ تكمن الإجابة فيما يُعرف بمعادلة الاستمرارية. لنشرح الأمر بطريقة مبسطة. تكون كتلة السائل المتدفق محفوظة؛ وهكذا، يؤدي انخفاض سرعة تدفق السائل إلى زيادة ضغطه والعكس صحيح، يُعرف هذا بمبدأ بيرنولي. في حين تعني معادلة الاستمرارية أن سرعة السائل تزيد عند مروره بممرات أضيق. والآن، لنعرف كيف ينطبق هذا على السفن. بينما تتحرك السفينة إلى الأمام، فإنها تدفع الماء؛ ويحل تدفق الماء المحيط بالسفينة محل تلك المياه المدفوعة. في الممرات المائية الضيقة، يكون هذا التدفق محسورًا، ما يسبب زيادة السرعة بحسب معادلة الاستمرارية. وتعني زيادة السرعة بدورها انخفاض الضغط، كما هو موضح في الشكل 2. يؤثر هذا الضغط المنخفض في التوازن بين قوة الجاذبية وقوة الطفو، منتجًا محصلة قوى تجذب السفينة إلى الأسفل.
الشكل 2: مبدأ بيرنولي وخلق ضغط منخفض تحت السفن في الممرات المائية الضيقة. المصدر.
والآن، ماذا عن تأثير الضفة وتأثير تراكم المياه بين مقدمة السفينة والضفة. إن لم تكن أجزاء السفن مألوفة بالنسبة إليك، انظر الشكل 3 لترى المؤخرة والقوس.
الشكل 3: أجزاء السفينة أو القارب. المصدر.
تم التعرف على تلك الظاهرة بشكل جيد منذ عام 2009؛ عند الإبحار بالقرب من ضفة القناة أو جانبها، تزيد سرعة المياه الموجودة بين السفينة والضفة. والآن، هل تذكر مبدأ بيرنولي؟ يعني زيادة سرعة المياه انخفاض الضغط على الجانب المواجه للضفة. يُنتج اختلاف مستويات الضغط قوة شفط تجذب السفينة نحو الضفة. ولكن، الوضع حول قوس السفينة يكون العكس تمامًا؛ إذ يزيد الضغط ليُنتج قوة رفض وليس جذب. وهذا ما يعرف بتأثير تراكم المياه بين مقدمة السفينة والضفة. التأثيران موضحان في الشكل 4.
الشكل 4: قوة الشفط على مؤخرة السفينة وقوة الرفض على قوس السفينة. المصدر.
تزيد التأثيرات الثلاثة التي تطرقنا إليها بزيادة سرعة السفينة. وهكذا، على القبطان مراقبة سرعة السفينة عند الإبحار في الممرات المائية الضيقة للحدِّ من تلك التأثيرات، وضمان سلامة الرحلة. وبينما يحبس العالم أنفاسه في انتظار نتائج تحقيقات أزمة سفينة الحاويات إيفر جيفين، أصبحت الآن عزيزي القارئ على علمٍ ببعض المبادئ العلمية المرتبطة بمرور السفن في الممرات المائية الضيقة مثل قناة السويس.
يمكنك مشاهدة الفيديو التالي عن تأثير الضفة:
المراجع
ft.com
myseatime.com
washingtonpost.com
aceboater.com
yadda.icm.edu.pl
Banner image reference: edition.cnn.com