الشخصيات الغريبة التي زارتك في بيتك وأجرت معك حوارات ومناقشات هي بالفعل شخصيات موجودة بيننا. الطويل جدًّا والبدين جدًّا والقصير جدًّا، نعم تجدهم يعيشون بيننا وتراهم كلَّ يوم و في كلِّ مكان تذهب إليه، بل بنفس العقلية والسمات.
من منا يريد أن يعيش على هذا الكوكب ما دام التلوث والجهل وغياب الضمير كائنين في بعض أركانه؟ فهذا ما كان ينادي به المخلوق القصير جدًّا في بعض الحلقات السابقة. من منا لم يجد المتفلسف الذي يتحدث بما لا يعي؛ وكأنه ملف صوتي مسجل وكل من حوله يريدون منه الصمت؟ تلك كانت شخصية الشخص البدين جدًّا. والشخص الطويل جدًّا كان يبدو قائدًا لهم يسيرون خلفه ويسمعون كلامه؛ وهذا النوع من الشخصيات القيادية موجود بيننا بالفعل.
نعود إلى قصتك الأخيرة مع ضيوفك؛ فقد انتهينا في الحلقة السابقة عند انفجارك في وجوههم تطلب معرفة حقيقتهم والهدف من زيارتهم لك، فيهدئ من انفعالك الطويل جدًّا قائلًا: نحن كائنات قادمة من مجرة بعيدة تبعد عنا 2.5 مليون سنة ضوئية تدعى " أندروميدا"، وهي توأم لمجرتكم "درب اللبانة " أو كما يسميها بعضكم "الطريق اللبني". وهدف زيارتنا لكوكبكم هو إحلالنا فيكم، ترتسم على وجهك علامات الاندهاش ولكن الطويل جدًّا لا يعطيك فرصة للتعليق؛ حيث يكمل قائلًا: لا تندهش يا صديقي فنحن صور منكم وعددنا في كوكبنا هناك مساوٍ تمامًا لعددكم على كوكب الأرض. وعندما رأينا ما أنتم عليه كانت رحلتنا الطويلة إلى كوكبكم واختيارك مع عدد ليس بقليل كي نطلعكم على مهمتنا التي جئنا من أجلها.
لا تصبر هذه المرة على التعليق فتقول مندفعًا: نعم؟! هل معنى كلامك أنكم زرتم أشخاصًا غيري؟! فيجيبك البدين جدًّا: نعم نعم، ولكنهم مختلفون في الثقافة، والشكل، والدين، واللون، وطريقة الكلام والتعبير. وتوصلنا في النهاية إلى ... يقاطعه الطويل جدًّا: مهلًا يا رفيقي لا تتعجل، فإنه لا يتحمل بقية التفاصيل. تسارع أنت متشوقًا: لا لا، دعه يكمل. وما معنى كلامك أني لا أتحمل بقية التفاصيل؟ لقد سمعت منكم كلامًا كثيرًا، ورأيت منكم ما قد يرعب أي شخص غيري، وها أنا ذا ما زلت على طبيعتي أحاوركم بدون تأثير. يرد عليك الطويل جدًّا: بكل تأكيد يا صديقنا فأنت أحد الاشخاص القليلين المميزين على هذا الكوكب؛ فأنت شجاع ومتفتح الذهن وذكي.
وعندما طلبنا منك مكانًا نخاطب منه أهل الكوكب كنا نود الإعلان عن هذه الفكرة، ولكن فيما يبدو أنها لن تكون فكرة سليمة؛ فليس من الضروري أن ما سمعته أنت وتفهمته وتقبلته أن يفهمه ويتقبله كلُّ سكان كوكبكم. ونحن نكتفي بهذا الحوار معك الليلة، وسنتواصل مع رفقائنا الذين هبطوا معنا لنعيد تقييم لقاءاتنا.
يتدخل البدين جدًّا: ما هذا الذي تقوله يا رفيقي؟ هل معنى ذلك أننا قد نغير خطتنا في الإحلال بذوينا وقرنائنا من سكان كوكب الأرض؟ يرد عليه الطويل جدًّا: لا، لن يتغير شيء سنقوم فعلا بإحلال أنفسنا فيهم؛ كلٌّ منا سيحل في قرينه: الطويل جدًّا في الطويل جدًّا، والبدين جدًّا في البدين جدًّا، والقصير جدًّا في القصير جدًّا، وكل قرين يحل في قرينه الذي يشبهه في الشكل والمواصفات. تفرك عينيك من غرابة ما سمعت، وعندما ترفع يديك من على وجهك لا تجدهم أمامك!
بهذه البساطة؟ تسأل نفسك وأنت تبحث عنهم في أركان الغرفة؛ خلف الستائر وتحت السرير ووراء الباب، تنظر من شباك غرفتك فتجد أن اليوم الجديد قد بدأ ودبت الحياة فيه فتنظر وراءك متشككًا في وجودهم، ثم تعيد النظر إلى الشارع في حالة بين التصديق وعدم التصديق، ثم تجلس على أقرب كرسي؛ وقد ارتسمت على وجهك كلُّ علامات الاندهاش. ثم تتيقن أن ما حدث كان حقيقة، ليس حلمًا ولا مسًّا من الجنون. وتحدث نفسك بصوت مسموع: ولم لا؟ إن هذا بالفعل هو الحل العبقري لموجة جديدة من موجات الحضارة على وجه هذا الكوكب. نعم، فلا أمل في الإصلاح إلا بإحلال كائنات فاضلة وسوية فينا، كائنات لديها الرغبة الصادقة في إعمار هذا الكوكب، كائنات تقوم على إعمال أو إرجاع كلِّ قيم الحق والعدل والجمال فينا. تسمع طرقًا وصوتًا على باب غرفتك ينبهك بأن الوقت قد حان لتناول إفطارك والاستعداد ليوم جديد.
تخرج من بيتك مبتسمًا ضاحكًا، تنظر وتركز بصرك في كلِّ من حولك في الطريق وتعيد النظر كذلك في وجوه أصدقائك وزملائك في العمل. هل من المعقول أن يكون الإحلال قد حدث وتغيرنا؟ أو لم يحدث الإحلال بعد؟ يزيد تبسمك عندما ترى شخصًا طويلًا جدًّا، أو قصيرًا جدًّا، أو بدينًا جدًّا، تصل إلى اقتناع ذاتي بأن الإنسان – كائنًا من كان – قصيرًا أو قصيرًا جدًّا ، طويلًا أو طويلًا جدًّا ، بدينًا أو بدينًا جدًّا هو بنفسه وبأفكاره سرُّ الحضارة الإنسانية.
ختام
رسوم محمد خميس.
هذا المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في «كوكب العلم»، عدد خريف 2015.