لطالما بُهرت لرؤية أصحاب المعجزات الرياضية على شاشات التليفزيون وهم يقاتلون بكل قوتهم للفوز في مختلف الرياضات؛ وكأنها مسألة حياة أو موت! نعم، بالضبط... أتحدث عن ذوي القدرات الخاصة واقتحامهم عالم الرياضة بكل شجاعة؛ الأمر الذي استوقف كثيرين حول العالم!
لا أنسى مشهدًا شاهدته في أحد البرامج وأنا أقلب بين القنوات دون هدف واضح؛ حيث استوقفني ذلك الأمر بشدة! شاب بلا قدمين يدخل إلى الساحة أمام الجمهور ثم يستعد، وفي لحظة كان يرفع وزنًا هائلًا في الهواء وسط تصفيق شديد وهتاف حار من الحاضرين. بعدها بكى الشاب؛ فصعد إليه مدربه واحتضنه بشدة، في لحظة لم تفارقني منذ أن شاهدتها! وشغلني منذ ذاك الحين سؤال مـُلحٌّ: بماذا كان يشعر ذلك البطل في تلك اللحظة؟ وما كان دافعه طوال الأعوام السابقة ليحقق هذا؟
من هنا قررت دخول ذلك العالم كي أجد إجابات واضحة لتلك التساؤلات التي تثير فضولي؛ فوجدت أن الرياضة لذوي القدرات الخاصة من أهم الضرورات. فمن خلالها يعبرون عن همومهم ويخرجون ما بداخلهم من كبت وطاقة ومشاعر مدفونة، برغم الإعاقة التي يعانون منها. كذلك تساعد الرياضة على دمجهم في المجتمع؛ من خلال دخولهم سوق المنافسة مع غيرهم.
كان الدكتور لودفيغ غوثمان، صاحب فكرة تأسيس دورة الألعاب البارالمبية في إنجلترا، من مؤيدي الفكرة القائلة «باستطاعة الرياضة أن تساعد أصحاب الإعاقات على استعادة توازنهم الجسدي والمعنوي، وتجعلهم يندمجون في المجتمع، وتنمي قدرتهم البدنية والعقلية». وكان هذا في أثناء الحرب العالمية الثانية؛ حيث لم يكن ذلك الأمر من الأمور التي تلقى اهتمامًا بين الناس وفي المجتمعات والمنظمات. ولكن مؤخرًا، اختلف الأمر تمامًا، وأصبح أولئك الأبطال جزءًا لا يتجزأ من بنية المجتمعات.
هناك كثير من الألعاب التي يستطيع ذوو القدرات الخاصة ممارستها، والتي يجري التنافس فيها بصورة دورية. فيوجد ما يقارب ثلاثًا وعشرين رياضة معترفًا بها رسميًّا أصبحت اليوم تمارس كمثيلاتها من الرياضات التي يمارسها هؤلاء الذين لا يعانون من أي إعاقة، بل أكاد أجزم أنهم يمارسونها في بعض الأوقات بصورة أفضل!
يعد جسد الفرد ومظهره وصفاته العضوية عنوان شخصيته، والوسيلة الأساسية التي يتعامل ويتفاعل بها مع نفسه ومع الآخرين. فمن خلال هذا التعامل تتولد علاقة الفرد بجسمه، وكيفية إدراكه له، وهذا ما يدعى الصورة الجسدية العقلية للفرد؛ إذ تتميز بالاستمرارية والتغيُّر خلال مراحل الحياة المختلفة. وقد يحدث أن يتعرض الفرد للإصابة على مستوى جسمه، فتؤدي إلى تكون صورة جسمية خاصة تختلف عن الصورة التي تكونـت من قبل؛ فيلجأ البعض إلى ميادين معينة؛ محاولة منهم لإثبات الذات، وإرسال رسالة واضحة للجميع فحواها «أنني دومًا أستطيع!».
في هذا الشأن صرحت قمر الشريف، مديرة الفعاليات بمركز الرعاية الخاصة بمدينة أبو ظبي، إن ممارسة ذوي الاحتياجات للرياضة تسهم في تسريع عمليات التأهيل، وإكسابهم قوة ومرونة وتحملًا وتوافقًا عضليًّا عصبيًّا سليمًا. كذلك تكسبهم الرياضة بفضل دورها الترويحي مهارات اجتماعية وخبرات تساعدهم على التمتع بالحياة والتواصل مع الغير بشكل أفضل، وتنمية الثقة بالنفس. كذلك تدعو لوضع برامج لرياضات تناسب الفئات العمرية المختلفة وفقًا لكل حالة، ومتابعتها وكتابة تقرير عنها؛ لتصبح مرجعًا للمختصين في المركز لمعرفة التطور الناتج عن البرامج والخطط العلاجية الموضوعة وفقًا لأحدث الدراسات العلمية.
هنا وجب القول بأنه لا بد أن نسعى إلى دمج الاتحادات الرياضية للمعاقين مع الاتحادات الرياضية للأصحاء؛ فالهدف من الرياضة تنمية العلاقات الاجتماعية والروحية، والخروج من الانطواء والانعزال والخوف من الآخر إلى التعاون مع الآخرين وتنمية اللياقة البدنية. فالعقل السليم في الجسم السليم، والجسم السليم في الجسم الرياضي، فحتى المعاق إذا تمتع بجسم رياضي فبإمكانه أن يتحرك ويتفاعل في المجتمع بطريقة فعالة وجدية وأكثر انغماسًا في الحياة؛ وما هذا إلا شيء بسيط من فوائد الرياضة.
وهنا جاء التساؤل الذي يراود كل شخص لديه إعاقة: هل آن الوقت أن نبحث بداخلنا عن نقاط قوتنا، ونبدأ بتنميتها، واختيار الرياضة المناسبة لنا؛ لنبرع فيها، ولنثبت للجميع أننا أقوياء، وأن الإعاقة ليست موجودة في حياتنا لتضعفنا، بل لتقوينا؟
سنظل طوال الوقت أساطير ونجومًا تلمع في السماء لكل من ظن أننا لا نستطيع .. نقول له بكل فخر وقوة واعتزاز فقط شاهدنا واستمتع!
المراجع
أسامة رياض، ناهد أحمد عبد الرحيم، القياس والتأهيل الحركي للمعاقين، القاهرة.
سوسن شاكر مجيد، اتجاهات معاصرة في رعاية وتنمية مهارات الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، عمان.
عادل خوجة، أثر البرنامج الرياضي المفتوح في تحسين صورة الجسم، ومفهوم تقدير الذات، وتطـوير اللياقة البدنيـة المرتبطة بالصحة لدى فئة ذوي الاحتياجات الخاصة حركيًّا، الجزائر.
المقال الأصلي منشور في مجلة كوكب العلم، عدد صيف 2018.