تُعرَّف الموجات الحارة البحرية بأنها فترات تكون فيها درجة حرارة سطح الماء أدفأ بنسبة 90٪ من حرارة سطح البحر السابقة؛ وقد تمتد هذه الفترة ما بين عدة أيام إلى عدة أشهر. وقد تمتد الموجات لآلاف الكيلومترات بما يؤثر في الثروة السمكية والأنظمة البيئية البحرية؛ وكذلك قد تؤثر في المحاصيل والحيوانات البرية على الأرض، وبالطبع في حياة البشر. فقد تسبب الاحترار العالمي في ارتفاع درجة حرارة مياه المحيطات، ومن ثم تُحرِّك تيارات المحيطات المياه الدافئة إلى المناطق الأكثر برودة؛ فينجم عنها موجات حرارية بحرية تؤثر في هذه المنطقة بطريقة سلبية. على سبيل المثال وليس الحصر، فإنها تتسبب في تباطؤ نمو أسماك السلمون، وتضغط على المخلوقات غير المتحركة مثل الأصداف والمحار، وتتدخل في الدورات الطبيعية للأعشاب البحرية وتعديل موائلها.
مع ذلك، فإن هذه الاختلافات في درجات حرارة المحيط غير منتظمة؛ ولذلك فقد كافح العلماء لوضع أنماط لهذه الموجات الحرارية وتأثيراتها بسبب غياب الوصف الواضح لها. وفور اتفاق الخبراء على تعريف لها، أدركوا أن موجات الحرارة قد حدثت بنسبة أعلى بلغت 54٪ في الفترة ما بين عامي 1925 و2016. إلا أن كثير من الناس لم يدركوا العواقب البيئية إلا بعد فوات الأوان؛ فعلى سبيل المثال، في عام 2011، دمرت الموجات الحرارية البحرية إحدى غابات العشب البحري ليحل محلها الطحالب البحرية العشبية قبالة الساحل الغربي لأستراليا. فأصبح ذلك التغير في النظام البيئي دائمًا حتى بعدما عادت درجات حرارة المحيطات إلى وضعها الطبيعي.
وقد اكتشف العلماء فيما بعد وجود علاقة بين تغير المناخ والموجات الحارة البحرية، باستخدام الأقمار الصناعية والبيانات السابقة المتاحة. فمثلًا، نتجت موجة حارة بحرية في عام 2016 في أستراليا الاستوائية عن انبعاثات الغازات الدفيئة الناجمة عن النشاط البشري، والتي تتسبب في الاحترار العالمي. أدت تلك الموجات الحارة إلى زيادة بلغت نحو خمسين ضعفًا في إمكانية حدوث تبييض واسع للحيد المرجاني العظيم.
فبسبب زيادة درجات حرارة مياه البحر الناجمة عن ظاهرة الاحترار العالمي، يطرد المرجان الطحالب المفيدة التي تعيش داخل أنسجته؛ فيؤثر انخفاض الطحالب المسئولة عن امتصاص الغازات الدفيئة في المحيط في قدرة المحيط على امتصاصها. ويؤدي هذا أيضًا إلى إطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون من خلال انهيار الأعشاب البحرية. فمثلًا، أدى فقدان مروج الأعشاب البحرية في منطقة خليج القرش إلى زيادة البكتيريا، وانخفاض أعداد السرطان الأزرق والإسقلوب؛ وكذلك كان له آثار سلبية في صحة السلاحف الخضراء، وانخفاض في تخزين الكربون على المدى الطويل في الأماكن التي تعيش فيها.
مع الارتفاع المستمر في درجات حرارة المحيطات وتكرر الموجات الحارة البحرية، فإن النظم البيئية البحرية التي يعتمد عليها عديد من الناس في الحصول على الغذاء وتعد مصدر دخلهم ستصبح غير مستقرة بصورة أكبر ولا يمكن توقع مستقبلها. فعلى سبيل المثال، تؤثر الموجات الحارة البحرية في أعمال مصائد الأسماك والزراعة المائية؛ وهو ما يؤثر بشكل كبير في حياة بعض الناس تعتمد أعمالهم ودخولهم عليها.
وهناك مثال آخر وهو المياه الدافئة بشمال المحيط الهادئ والتي تعرف باسم «بلوب» (بمعنى فقاعة)؛ فهي عبارة عن كتلة مائية كبيرة دافئة نسبيًّا، أدت إلى إغلاق مصائد الأسماك الترفيهية والتجارية، وتبعًا لذلك خسارة ملايين الدولارات. على مدار عامين، أدت كتلة «بلوب» إلى ظهور وباء بكتيري مدمر على الساحل، وبسببها تغير الطقس بشكل كبير في شمال غرب المحيط الهادئ.
يجب أن يعمل الباحثون أولاً على استخدام التكنولوجيا في توقع التغيرات المستقبلية التي تؤدي إلى تدفئة مياه المحيط؛ لمعرفة ما إذا كانت درجات الحرارة سوف ترتفع، وكذلك مدة استمرار هذه الموجات. ثانيًّا، يجب أن تصل النتائج التي يتوصلون إليها إلى صانعي السياسات والقرارات؛ ليعرفوا تأثير الموجات الحارة البحرية على البيئة ومدتها.
ومن خلال هذه المعرفة، يمكن مساعدة الأعمال المتعلقة بمصائد الأسماك وتربية الأحياء المائية بتعريفها بمواعيد فتحها أو إغلاقها والأوقات الملائمة للحصاد. وفي حين أن تلك التوقعات قد تحدُّ من المخاطر، فإنها لا تحل المشكلة الرئيسية وهي تغير المناخ. فإذا ظلت هذه المسألة دون حل، سوف تتغير الأنظمة البيئية البحرية بشكل دائم بسبب ارتفاع درجات حرارة المياه.
المراجع
media.bom.gov.au
nature.com
ncbi.nlm.nih.gov
pbs.org