«المرآة السوداء» مسلسل تليفزيوني شهير يناقش المخاوف المحتملة من التكنولوجيا في المستقبل. وقد صرح تشارلي بروكر، صانع العمل، في مقالته بصحيفة «ذا جارديان» أن المرآة السوداء يقصد بها المرآة التي نجدها فوق كل مكتب وفي كل يد؛ تلك الشاشة الباردة اللامعة للتلفاز أو الكمبيوتر أو الهاتف الذكي. فعندما تغلق هاتفك كل ما ستراه هو مرآة سوداء تحدق بك. والتكنولوجيا في المرآة السوداء أكثر تطورًا، ولكن السؤال الذي يطرحه المسلسل هو: «هل بالضرورة تجعل التكنولوجيا حياتنا أسهل؟» وبهذا السؤال، يحذرنا مسلسل المرآة السوداء بشكل ما من الوجه الآخر للتكنولوجيا.
في هذا المقال سوف أسلط الضوء على ثلاث حلقات من المسلسل بعنوان: «تاريخك بأكمله» و«الكريسماس الأبيض» و«اختبار الألعاب»، والسبب هو أن جميعها يدور حول فكرة أن الدماغ البشري يستطيع العمل تمامًا مثل الجهاز الذي يمكنه تسجيل الأحاديث، أو يُتلاعب به، أو يُولَج فيه للحصول على بيانات. وفي حلقة «تاريخك بأكمله» نرى جميع الأشخاص مزودين بذاكرة مزروعة تمكن الدماغ من تسجيل كل حدث أو موقف يحدث للشخص في أثناء حياته؛ ليتمكن من استرجاعه في أي وقت كأنه يقوم بمشاهدة فيديو مسجل. وفي حلقة «الكريسماس الأبيض» نتعرف على «الكعكة»، وهي نسخة رقمية من مخ الإنسان. في حين في حلقة «اختبار الألعاب» يختبر بطل القصة لعبة جديدة تستخدم تقنية الواقع الافتراضي. وتوفر تلك اللعبة تجربة مخيفة للاعبين، ولكنها لا تتوقف عند هذا الحد؛ فهي لا تريهم بعض الصور المرعبة فحسب، بل تتمكن أيضًا من الولوج في أدمغتهم ومعرفة ما يخيفهم أكثر من أي شيء آخر في الحياة. فتعدل اللعبة التجربة المخيفة لتتوافق مع المخاوف الحقيقية للاعب؛ فلا يستطيع التفرقة بين الواقع الحقيقي وتجربة الواقع الافتراضي.
وفي مسلسل «المرآة السوداء» يمكن تحميل البيانات من المخ لاستخدامها في أغراض مختلفة. فهل هذا مستقبل البشرية؟ هل لدينا القدرة على كشف ألغاز المخ البشري؟ لقد أصبحت الأجهزة في وقتنا الحالي قادرة على تسجيل «نشاط الدماغ»، وليس المقصود هنا تسجيل أفكارك؛ وإنما يقصد بذلك أن تلك التكنولوجيا تعطينا أملًا بمستقبل نستطيع فيه التحكم في نوبات الصرع. وبالإضافة إلى ذلك فإن بعض التقنيات الحديثة من التكنولوجيا تعمل جاهدة لاكتشاف ما تنظر إليه عن طريق تحليل نشاط المخ. ولقد طور العلماء أيضًا جهازًا يشبه المخ عبارة عن رقاقة تحتوي على «خلايا عصبية اصطناعية» لديها القدرة على تقليد «سلوك الخلايا العصبية».
مقدرتنا على فهم كيفية عمل المخ من حيث تكوين الذكريات وتخزينها يقربنا أكثر لكشف لغز المخ، وربما يمكننا يومًا ما من قراءة الأفكار. طُلب من عدد من المتطوعين بعد ارتدائهم أجهزة الواقع الافتراضي أن يسيروا داخل مبنى، فرصدت نشاطهم آلة تصوير دماغي متطورة (تصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي). والهدف من هذا البحث هو دراسة أنماط المخ في أثناء معالجته للبيانات وحفظها. فإذا تمكن العلماء من فهم أنماط المخ، يمكنهم تحقيق اكتشافات هائلة تجعل التخاطر شيئًا ممكنًا.
وقد طُبقت تقنية الواقع الافتراضي في حلقة «اختبار الألعاب»، ولكن ما الواقع الافتراضي؟ هو تلك التكنولوجيا التي تتضمَّن معظم حواسك؛ فتخدع عقلك ليصدق أنك حقًّا موجود بمكان آخر. ويحدث هذا باستخدام أجهزة مميزة مثل النظارات والقفازات الحسية لتوفير أحاسيس معينة لمستخدم تلك التقنية. إذا سبق لك أن رأيت أي شخص يلعب لعبة بتقنية الواقع الافتراضي، فقطعًا قد لاحظت مدى انفصاله عن العالم المحيط به. والهدف من تلك التقنية في بعض الأحيان يكون وضع الأشخاص في مواقف يصعب عليهم خوضها في الحياة الواقعية.
والآن يوجد بعض التطبيقات المفيدة التي تعمل بتقنية الواقع الافتراضي. فعلى سبيل المثال، في المجال الطبي تؤخذ صور لمناطق المخ التي من المقرر إجراء عملية جراحية بها لتستخدم في صنع واقع افتراضي للأطباء؛ حتى يتمكنوا من التدريب ورؤية مناطق المخ التي تستدعي الانتباه والشعور بها، كما تستخدم تلك التقنية لتدريب الأطباء الجدد. وبالطبع توجد بعض المنافع لتلك التقنية كما هو الحال مع أي نوع آخر من التكنولوجيا. ولا يزال البحث مستمرًّا، وحتى الآن لا نعلم حقًّا مدى تأثير تلك التقنية في المخ.
تلك الاختراعات التكنولوجية التي نراها يوميًّا من خلال رصد أنشطة المخ ومحاولة ترجمة إشاراته تجعل توقعات المسلسل أقرب إلى الواقع. وعلى الرغم من أن مسلسل «المرآة السوداء» عمل خيالي، فإنه يثير بعض المخاوف فيما يتعلق بالمخاطر التي قد نواجهها بسبب التكنولوجيا. ولتسمية بعض تلك المخاطر نجد المعضلة الأخلاقية التي تأتي مع الولوج في عقل وأفكار شخص آخر. فالتكنولوجيا باختصار سلاح ذو حدين، ويجب علينا معرفة كيفية استخدامها بحكمة وعقل حتى ننجو من مخاطرها.
المراجع
britannica.com
imdb.com
newgenapps.com
newscientist.com
nih.govinterestingengineering.com
theguardian.com
thevirtualrealityblog.com