نستكمل معًا في هذا المقال رحلتنا عبر الزمان والمكان مع تاريخ صناعة الورق والتي بدأها قدماء المصريين منذ نحو خمسة آلاف عام باستحداث الكتابة على ورق البردي، إلى أن أصبح متاحًا الآن بأنواع وأشكال متنوعة.
ثورة الصناعة الورقية
شهد القرن الثامن عشر ترسيخ آليات إنتاج كميات كبيرة من الورق واستحداث الماكينات عالية التنقية. ففي عام 1977م، اخترع الفرنسي جيه. إل. روبير ماكينة الورق الأولى، والتي كانت تُدار يدويًّا. واستطاعت هذه الماكينة إنتاج امتداد غير متقطع من الورق باستخدام أسطوانات ضاغطة بدلاً من إنتاج الفروخ الفردية المصنوعة يدويًّا. وقد تم تطوير هذه الماكينة فيما بعد في إنجلترا على يد براين دونكين والأخوين فوردرينير.
وقد طرأت طفرة رئيسية أخرى في صناعة الورق في القرن التاسع عشر؛ حيث كان الدافع وراءها البحث عن مادة خام بديلة لسد عجز المواد الخام النسيجية التي تطلبتها صناعة الورق. فقام السكسوني فريدريك جوتلوب كيلير في عام 1843م باستحداث سلولوز لب الخشب بوصفه عنصرًا رئيسيًّا في صناعة الورق. تبع هذه الطفرة فكرة بديلة لتحويل الأخشاب إلى الورق، ألا وهي استحداث لبٍّ كيميائي، وقد سجل هاف بيرجيرز وتشارلز وات براءة ذلك الاختراع عام 1854م. وكان اللب المستخلص كيميائيًّا يُنتج باستخدام الصودا والكبريتيت، وهما المادتان اللتان يرجع إليهما بياض الورق الناصع، وقوته، وتحمله.
وكذلك شهد ذلك القرن اختراع ماكينات أكثر تطورًا؛ فتطورت الماكينات باستمرار مع بزوغ الثورة الصناعية، مما جعل جميع مراحل الإنتاج آلية تمامًا، وأدى إلى انتشار صناعة الورق في شتى أنحاء العالم. وظهرت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الماكينات المصممة لإنتاج أنواع معينة من الورق؛ مثل ماكينة يانكي المنتجة لأوراق المناديل.
ومثل كل شيء، تطورت تقنيات صناعة الورق بشكل كبير وسريع خلال القرنين العشرين والحادي والعشرين. فطُورت مواد جديدة، وتطلبت أنواع من الورق مواد خامًا خاصة لتصنيعها، واستُحدثت أيضًا أنواع جديدة من الورق، منها: أوراق الطباعة؛ مثل الورق المطلي خفيف الوزن، وأوراق التغليف، وأوراق الكتابة، وأوراق الرسم، وأوراق البنكنوت، وغيرها. ومن الطفرات أيضًا الانخفاض الكبير في أسعاره؛ فيمكننا حاليًّا إنتاج الورق، وصقله، وتجعيده، وجعله مقاومًا للمياه، ومعالجته بالشمع، وطلائه، وطيِّه، وثنيه، وتزيينه، وإذابته، وإعادة تدويره.
الورق الإلكتروني
أتت تقنيات الحواسب الآلية بتطبيقات معالجة للنصوص متطورة تُمكِّن المستخدم من الكتابة عبر لوحة مفاتيح، ومن حفظ ما يكتبه، وتعديله، وتنسيقه، بل وطباعته أيضًا على ورقٍ حقيقي عند الحاجة. وقد أتاحت مثل هذه التطبيقات وغيرها للمستخدمين مليارات الوثائق، والأوراق البحثية، والكتب في نسخٍ إلكترونية، مما أسهم في توفير كميات ضخمة من المواد الطبيعية، والأموال، والتأثيرات البيئية المرتبطة جميعها بصناعة الورق.
تأتي الطفرة التقنية الأخيرة في مجال صناعة الورق مع استحداث الورق الإلكتروني. فعلى الرغم من أن التقنية التي يرتكز عليها ذلك المنتج قد طُورت في سبعينيات القرن العشرين، فإنه لم يغزُ الأسواق بصورة كبيرة. والأوراق الإلكترونية أسطح عارضة بلاستيكية رقيقة قابلة للطيِّ والثني، تعكس الضوء ولا تبعثه، مما يجعلها مريحة عند القراءة.
يستخدم الورق بوصفه مادة خامًا لإتمام مشروعات ضخمة؛ فيظل الورق الطريقة الأفضل والأكثر شيوعًا للاطلاع على المعلومات، وتخزينها، ولنشر معارف البشر وخبراتهم.
المراجع
britannica.com
fourriverscharter.org
historyworld.net
howstuffworks.com
lib.umich.edu
paperacademy.net
papyri.tripod.com
users.stlcc.edu
Top image: Employees flying ahead paper. Credit: Freepik
*هذا المقال منشور في مجلة كوكب العلم، عدد ربيع 2013.