المنازل هي قلاعنا الآمنة، وهي الملاذ الذي نهرب إليه من ضغوط حياتنا اليومية. إلا أنه مع زيادة ارتفاع المباني، أصبح الحصول على الضوء الطبيعي أكثر صعوبة؛ ففي عديد من المناطق التي تتزاحم فيها المباني الشاهقة، تلعب الشمس لعبة التخفي مع قاطنيها. وبدلًا من الاعتماد على الشمس في الحصول على الضوء الطبيعي، يضطر هؤلاء السكان للجوء إلى إضاءة المصابيح الكهربائية. وباستخدام مزيد من الكهرباء، ينتهي بهم الأمر بدفع مزيدٍ من الفواتير، بالإضافة إلى تأثيراتها السلبية على صحة الناس.
هذا الأمر يحتاج إلى اهتمام خاص من مهندسي تخطيط المدن لتخصيص مساحات ملائمة للمباني، من شأنها أن تسمح لهم بالحصول على ما يكفي من الضوء الطبيعي. وفي الوقت الذي يقضي الناس مزيدًا من الوقت محبوسين في الأماكن المغلقة، يحاول المهندسون المعماريون إيجاد الحلول المناسبة لإمدادنا بالضوء الطبيعي الذي نحتاجه. ففي هذه الأيام يُطبق المعماريون مفهوم الإضاءة الطبيعية، التي تتحكم في دخول الضوء الطبيعي للمساحة داخل المبنى.
تُعدُّ طريقة التصميم هذه مهمة لتوفير الإضاءة الجيدة خلال اليوم؛ فإذا تمت الاستفادة القصوى من الضوء الطبيعي، يصبح من الممكن تقليل الاعتماد على الضوء الاصطناعي؛ مما يجعل المباني أكثر استدامة وكفاءة في استخدام الطاقة. يتم الاعتماد على الإضاءة الكهربائية في المباني التجارية بنسبة تتراوح من 35% إلى 50% من إجمالي استهلاك الطاقة الكهربائية؛ وهكذا، يمكن للاستخدام الاستراتيجي لضوء النهار أن يقلل من هذا الطلب على الطاقة، بالإضافة إلى تعزيز راحة الناس وإنتاجيتهم.
وعلى الرغم من أن إدخال ضوء الشمس في المكان شيء عظيم، فمن الممكن أن يكون الضوء قويًّا وساطعًا بدرجة مزعجة. ولهذا السبب صممت بعض الأنظمة للاستفادة بأقصى طريقة ممكنة من ضوء الشمس، مع التحكم في تجنب السطوع غير المرغوب فيه وارتفاع درجة الحرارة.
إحدى طرق تجنب الوهج تتم من خلال تركيب رفوف خفيفة تؤدي وظيفتين: توجيه الضوء إلى الداخل من أجل توزيعه بشكلٍ أفضل، وتظليل النوافذ من الضوء المتوهج. ويمكن تركيب الرفوف الخفيفة داخل المبنى أو خارجه، ويمكن تصنيعها من مواد مختلفة؛ وتعد أكثر فعالية عند تركيبها على الجدران التي تواجه الشمس.
وهناك تصميم آخر للإضاءة الطبيعية؛ هو استخدام فتحات الإنارة السقفية. لا بد أنك قد خمنتها بالفعل؛ فتُثبت في السقف، وغالبًا ما تكون مصنوعة من مواد شفافة أو ناشرة للضوء؛ بحيث تسمح بدخول الضوء الطبيعي للمبنى. ونظرًا لأنها توضع في مكان جوهري، فهي عادة ما تُصنَّع من طبقات مزدوجة لتأمين حماية أكثر وعزل أفضل. وليس من الضروري أن تعتمد هذه الفتحات على ضوء الشمس المباشر لإنارة الداخل؛ حيث يمكن للضوء المنتشر من خلف السماء الملبدة بالغيوم أن يُضيء مساحة داخلية أيضًا.
وبينما يحاول المهندسون المعماريون عمل تصميمات تستخدم الإضاءة الطبيعية لصنع مساحة جذابة بصريًّا، فإن الباحثين يمدونهم بسبب للقيام بذلك؛ حيث وجدوا أن الضوء الطبيعي هو مفتاح صحتنا ورفاهيتنا. فيوضح البحث الذي أُجري على تأثير ضوء النهار في المستشفيات أن الضوء الطبيعي مفيد جدًّا للمرضى. فمن الأفضل التعافي في حجرة بها نافذة لا تسمح بدخول الضوء فحسب، بل تطل على منظر طبيعي أيضًا.
إن ضوء النهار ليس مهمًّا في المستشفيات فقط، بل في المدارس والأبنية التعليمية أيضًا. ففي دراسة أُجريت عام 1999 بعنوان «ضوء النهار في المدارس: دراسة العلاقة بين ضوء النهار والأداء البشري»، وُجد أن هناك علاقة قوية بين المدارس التي أبلغت عن تحسُّن في درجات الطلاب بنسبة تعدت الـ10%، وزيادة ضوء النهار في الفصول الدراسية.
كذلك فإن العمل في مكان مضاء طبيعيًّا بشكلٍ جيد يزيد من الإنتاجية، ويساعد على تعزيز الشعور بالرفاهية؛ لذلك فمن المهم أن يضع المهندسون المعماريون هذا في الاعتبار عند تصميم المباني.
المراجع
sustainabilityworkshop.autodesk.com
archlighting.com
sustainablecitiescollective.com
lightlouver.com
sustainabilityworkshop.autodesk.com
Top image: Photo by form PxHere
هذا المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في مجلة كوكب العلم، عدد صيف 2015.