استيقظت في الصباح الباكر على صوت «زغاريد» وكثير من التهليل وكلمات المباركة؛ إنها نتيجة «الثانوية العامة». عدت بذاكرتي لأعوام بعيدة تذكرت فيها يوم نتيجتي وكيف شعرت بالحزن حينما لم أحصل على مجموع يؤهلني لكلية الهندسة (كلية القمة).
مقاييس النجاح
كلية قمة، والأموال، والمركز المرموق، والسعادة؛ كلها مقاييس تعبر عن النجاح من وجهة نظر الكثيرون. ولا يمكن تأييد أو معارضة تلك المقاييس؛ فاختلاف الأشخاص وتفكيرهم يلعب دورًا هامًا في تحديد مقاييس نجاحهم. ولكن للمجتمع أيضًا دورًا مهمًا في تحديد تلك المقاييس؛ الأمر الذي ربما يضع الإنسان في موقف يضطر فيه إلى إرضاء مجتمعه أكثر من تفكيره في إرضاء نفسه في المقام الأول.
أسطورة كليات القمة
لا يوجد سبب مؤكد حتى الآن لتسمية بعض الكليات بـ«كليات القمة»، ولكن بعض الآراء تعزي ذلك إلى ارتفاع شأن بعض الوظائف في منتصف القرن الماضي وحصول أصحابها على الاحترام والتقدير من عامة الشعب. وكان في مقدمتها بالطبع وظائف الأطباء، والمهندسين، والصيادلة، والمحامين، على الرغم من عدم اعتبار الأخيرة في صفوف الكليات الأولى في الوقت الحالي لسبب غير معروف. وربما أيضًا كان المقابل المادي الذي يحصل عليه شاغلي هذه الوظائف سببًا آخر في تسميتها بهذا المسمى الجذاب.
قيود المجتمع على تفكير الشباب
لا يمكن إهمال نظرة المجتمع تمامًا تجاه ما يظنه مقياسًا للنجاح. ولكن لا يمكن أيضًا أن ينحي الشخص أفكاره الخاصة ومقاييسه جانبًا والأخذ بنظرة المجتمع فحسب؛ فأولاً وأخيرًا هي حياته وهو من سينجح أو يخفق.
فكثيرًا ما نجد طلاب في كلية ما يعانون بسبب دراسة ما لا يرغبون وبالتالي سيعملون ما لا يحبون، فقط لتلبية رغبات من حولهم، أو لأن مجموعهم بالثانوية العامة يؤهلهم لتلك الكلية، دون التفكير في ميول هذا الطالب/ الطالبة. كذلك نجد ظاهرة منتشرة في مجتمعنا وهي العمل بمجال يخالف تخصص الجامعة. ويرجع ذلك إلى أكثر من سبب، نذكر منها عدم رغبة الخريج في العمل في المجال الذي أُجبر من قبل، بطريقة ما، أن يدرسه في المرحلة الجامعية.
وهنا يجب على كل شخص أن يضع لنفسه مقاييس خاصة للنجاح؛ فلا يوجد ما يسمى بمقياس خاطئ. ربما كان مقياسك للنجاح لا يناسب غيرك؛ فمن يبحث عن الثروة ربما لا يلتفت إلى الدرجة العلمية، ومن يعمل ما يحب بغض النظر عن العائد المادي لا يهمه أن يكون مركزه مرموقًا، وهكذا..
الثانوية العامة ليست نهاية المطاف
«الثانوية العامة ليست نهاية المطاف» جملة رن صداها في أذني وألمسها الآن بعد أكثر من 15 عامًا من تخرجي. أنظر إلى حالي وحال من هم بمثل عمري في منتصف الثلاثينيات، فأرى منا الطبيب والمهندس والمحاسب وربة المنزل والرسام والكاتب وغيرنا؛ فما مقدار رضا كل منا عن حياته المهنية؟
الغريب في الأمر أن أكثر من يعانون سوء بيئات العمل والمرتبات المتدنية هم خريجي «كليات القمة»، في حين أن من كان مجال عمله متعلق بموهبة كالرسم أو التصوير أو غيره يشعر شعورًا أفضل تجاه عمله، وأكثر رضاء من غيره. لا يجب اعتبار نتيجة الثانوية العامة نهاية العالم؛ فاختيار تخصص الكلية لا يعبر في المطلق عن مدى نجاحك في المستقبل. للنجاح مقاييس عدة، وليس شرطًا أن تكون نتيجة الثانوية العامة أحدها.
Cover image: Professor teachers photo created by master1305 - www.freepik.com