يكرر الأطفال دائمًا هذا السؤال: «لماذا تبدو السماء زرقاء؟» فيجيب بعض الناس: «لأنها تعكس لون المحيط»، في حين يزعم بعضهم أن السبب هو أن الأكسجين غاز أزرق اللون. وإذا أجريت بحثًا بسيطًا على شبكة الإنترنت، فستجد أن السماء زرقاء اللون بسبب ثلاثة عوامل بسيطة: (1) يتكون ضوء الشمس من موجات ضوئية بأطوال مختلفة؛ (2) في حين يتكون الغلاف الجوي من جزيئات تشتت الموجات الضوئية المختلفة بكميات مختلفة؛ (3) وأخيرًا، كيفية استقبال أعيننا الضوء.
أثبتت التجربة التي أجراها إسحق نيوتن باستخدام منشور مثلث الشكل أنه عندما يمر الضوء من خلال المنشور، يتكسر الضوء الأبيض إلى ألوانه الأساسية: الأحمر، والبرتقالي، والأصفر، والأخضر، والأزرق، والنيلي، والبنفسجي. ولكل لون طول موجي مختلف مثل بصمة فريدة خاصة به، ولذلك عندما يمر من خلال المنشور ينتقل بسرعة مختلفة عن الألوان الأخرى وينكسر عند زاوية مختلفة.
عندما يصل ضوء الشمس إلى الغلاف الجوي الأرضي، يتشتت في جميع الاتجاهات بواسطة الغازات والجسيمات الموجودة في الهواء. يمر الضوء الأبيض المنبعث من الشمس خلال الغلاف الجوي؛ فتمر الألوان ذات الطول الموجي الأطول – مثل الأحمر، والبرتقالي، والأصفر – في حين تمتص جزيئات الغاز الأطوال الموجية للأزرق والبنفسجي فتتشتت عبر السماء. وتستقبل عيناك هذه الأطوال الموجية المنعكسة مثل اللون الأزرق؛ لأن الأطوال الموجية للأزرق والبنفسجي مناسبة تمامًا لترتد على جزيئات الغاز الموجودة في الغلاف الجوي؛ فتنفصل عن الألوان الأخرى مما يجعل السماء تبدو زرقاء لنا.
بينما يتسبب التشتت في الغلاف الجوي في ظهور السماء باللون الأزرق، فإن الكوكب الذي ليس له غلاف جوي لا يمكن أن تكون سماؤه ساطعة. فالغلاف الجوي للقمر رقيق جدًّا؛ وعندما يكون الهواء رقيقًا للغاية، لا تتصادم جزيئات الغاز بعضها ببعض. ومن ثم، لا يتشتت ضوء الشمس؛ فتظهر السماء سوداء سواء في النهار أو الليل. وقد أثبت ذلك من خلال الصور التي التقطها رواد فضاء مهمات أبولّو على سطح القمر؛ إذ أظهرت الصور سماء مظلمة تمامًا من جميع الاتجاهات أثناء النهار.
وبالمثل، فالغلاف الجوي لكوكب المريخ رقيق للغاية، ويتكون بشكل أساسي من ثاني أكسيد الكربون، وممتلئ بجزيئات الغبار الرقيقة؛ تلك الجزيئات الرقيقة من الغبار تشتت الضوء بشكل مختلف عن الغازات والجسيمات الموجودة في الغلاف الجوي الأرضي. فتظهر الصور التي التقطتها طوافات ومسابير وكالة ناسا الفضائية من على سطح كوكب المريخ عكس ما نعيشه على كوكب الأرض. وخلال النهار، تتزين سماء كوكب المريخ باللون البرتقالي أو لون مائل إلى الاحمرار؛ ولكن عند غروب الشمس، تبدأ السماء المحيطة بالشمس في التحول إلى اللون الأزرق الرمادي.
وينتج لون السماء الأزرق هذا عن نوع معين من التشتت يعرف باسم تشتت رايلي. يعتمد هذا النوع من التشتت على الطول الموجي للضوء، ويشتت الضوء من على الجسيمات التي لا تزيد على عُشر الطول الموجي للضوء. وفي الغلاف الجوي السفلي، تشتت جزيئات الأكسجين والنيتروجين الدقيقة الموجات الضوئية القصيرة – مثل الضوءين الأزرق والبنفسجي – بدرجة أكبر بكثير من الموجات الضوئية الطويلة – مثل الضوءين الأحمر والأصفر.
فإذا كان لكل من الأزرق والبنفسجي موجات ضوئية قصيرة، فلماذا نرى السماء زرقاء وليست بنفسجية اللون، على الرغم من أن الجسيمات الموجودة في الغلاف الجوي تشتت اللون البنفسجي أكثر من اللون الأزرق؟ الإجابة ببساطة لأن بعض الضوء البنفسجي يمتص في الغلاف الجوي العلوي، ولأن أعيننا أكثر حساسية للون الأزرق عن اللون البنفسجي.
عندما تكون الشمس أعلى في السماء، تظهر السماء بلون أزرق أكثر إشراقًا لوجود غلاف جوي أكثر في تلك الاتجاهات، ومن ثم مزيد من اللون الأزرق. وأثناء شروق الشمس وغروبها أو بزوغ القمر وغروبه، يجب أن يمر الضوء المنبعث من الشمس أو من القمر خلال كميات هائلة من جسيمات الغلاف الجوي؛ فكلما كان الضوء قريبًا من الأفق، زادت جسيمات الغلاف الجوي التي يجب أن يمر من خلالها الضوء. وبينما يتشتت اللون الأزرق في جميع الاتجاهات، يتشتت اللون الأحمر بشكل أقل كفاءة. هذا يعني أن الضوء المنبعث من قرص الشمس، أو القمر، يتحول إلى اللون الأحمر؛ ولكن أيضًا الضوء القادم من جوار الشمس والقمر – الضوء الذي يصطدم بالغلاف الجوي ويتشتت مرة واحدة فقط قبل أن يصل إلى أعيننا – يتحول إلى الضوء الأحمر حينها.
وبالإضافة إلى تشتت الضوء في الغلاف الجوي، تتمتع أعيننا بتقنية خاصة لفهم الألوان. فتحتوي العين على ثلاثة أنواع من المخاريط لاكتشاف الألوان، بالإضافة إلى القضبان أحادية اللون؛ وعندما يتعلق الأمر باكتشاف الألوان، يستقبل المخ إشارات من المخاريط والقضبان لترجمتها إلى لون. كل نوع من المخاريط، بالإضافة إلى القضبان، حساس للضوء بطول موجي مختلف. فتستجيب أعيننا بقوة للأطوال الموجية للأضواء الأزرق، والأزرق السماوي، والأخضر، أكثر من استجابتها للضوء البنفسجي؛ وإن كان الضوء البنفسجي أكثر، فهو غير كافٍ للتغلب على الإشارات القوية للضوء الأزرق التي يستقبلها مخ الإنسان.
في المرة القادمة التي تُسأل فيها عن سبب لون السماء الأزرق، ستجيب على الأرجح بدون أدنى تردد: السماء ما هي إلا غلافنا الجوي كما نراه من الأسفل، بالإضافة إلى حساسية أعيننا تجاه الألوان. فإذا لم يكن هناك تشتت أو امتصاص، فستظهر السماء سوداء طوال اليوم، وإذا زاد الامتصاص أو التشتت، فستظهر السماء باللون الأصفر، أو البرتقالي، أو الأحمر طوال اليوم.
المراجع
forbes.com
livescience.com
pectrumnews1.com
scientificamerican.com
spaceplace.nasa.gov
wonderopolis.org
هذا المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في مجلة كوكب العلم، عدد ربيع 2020.
Cover image: Sea sky photo created by lifeforstock - www.freepik.com