إن رجعت بالزمن نحو 98 مليون عام، حين لم تطأ قدم إنسان الأرض بعد، وكانت الأرض تتكون من قارتي «لوراسيا» شمالًا و«غندوانا» جنوبًا، كنت سترى مستنقعاتٍ، وأنهارًا ممتدة، وغاباتٍ شاسعة. ورغم انبهارك، لن تدرك أنك محاصر وأن لا أمل لك في النجاة من آكلات اللحوم التي تغزو المنطقة. فالديناصور السابح يراقبك من النهر، ويتربص لك آخر من بين الأشجار؛ وإن استطعت الهرب منها، تجد آخرًا يراقبك! أهلًا بك في أرض الموت بالواحات البحرية؛ أخطر مكان في العصر الطباشيري!
في عام 1911، تكللت جهود عالم الحفريات الألماني سترومر بالنجاح بعد إخفاقات كثيرة؛ حين عثر على هياكل لثلاث ديناصورات آكلة للحوم، وهي: «سبينوصورس إيجيبتكاس»، و«كاكردونتوصورس»، و«بحرياصورس»، بالإضافة إلى ديناصور آكل للعشب يدعى «إيجيبتوصورس» في منطقة الواحات البحرية. فاكتسبت هذه المنطقة شهرة بكونها «أرض الموت» لاكتشاف هذه الكمية من الديناصورات آكلة اللحوم التي عاشت تحديدًا في العصر الطباشيري، أخر عصر في حقب الحياة الوسطى.
والآن بعد مرور قرن، اُكتشف إلى جانبها فرد جديد مفترس مهم بهذه البقعة. ففي عام 2016، عثرت إحدى الرحلات الاستكشافية لمركز علم الحفريات الفقارية بجامعة المنصورة ووزارة البيئة المصرية على حفرية لفقرة عنق مميزة؛ مغطاة جيدًا برواسب من الرمل والحديد. وعن الحفرية يقول الدكتور هشام سلام، مؤسس مركز الحفريات الفقارية، ورئيس الفريق المصري: «حين عثرنا على الحفرية استنتجنا مباشرة أنها فقرة قاعدة عنق لديناصور آكل للحوم لا آكل للعشب، لكن لم تكن لدينا فكرة لمن تنتمي من الثلاثة ديناصورات الآكلة اللحوم المكتشفة».
فقرة قاعدة العنق لديناصور «هابيل». Credits: MUVP
واستمر العمل على إعداد الحفرية حتى يوليو 2022، حين نجح الفريق المشترك بين الباحثين المصريين والأمريكيين بقيادة الباحث بلال سالم، المعيد بجامعة بنها وعضو فريق «سلام لاب» المبتعث إلى جامعة أوهايو، في معرفة لمن تنتمي هذه الفقرة، معلنين في ورقة بحثية أنها لفرد من عائلة ديناصورات «هابيل»؛ ليصبح أول دليل على وجود هذا النوع في منطقة شمال شرق إفريقيا.
صورة من مركز الحفريات الفقارية بجامعة المنصورة. الدكتور بلال سالم (بالأعلى) والعالم سترومر (بالأسفل).
هابيل والأصدقاء
بجمجة كبيرة مخيفة، وأسنان مدببة، وذراعين شبه مضمورتين، ينتمي «هابيل» إلى عائلة ديناصورات «هابيل» التي سميت على اسم العالم الأرجنتيني روبيرتو هابيل، أول من اكتشف حفرية جمجمة لهذه العائلة. ومنذ 98 مليون عام، هام هذا المفترس القارة العظمى الجنوبية القديمة «غندوانا» التي كانت ضمت إفريقيا، وأمريكا الجنوبية، وأستراليا، والقارة القطبية الجنوبية، وشبه الجزية الهندية والعربية.
تتميز هذه العائلة بكونها متوسطة الحجم، يتراوح طولها بين 7–10 أمتارًا، وتمثل أحد أشرس الديناصورات آكلة اللحوم التي عاشت على وجه الأرض. ويُعد «هابيل» مماثلًا لنظيره «تي-ريكس»، أشهر نجوم هوليود من الديناصورات وأكبرها وأشرسها على الإطلاق؛ لذلك لقبه العلماء باسم «تي-ريكس القارات الجنوبية القديمة».
شكل تخيلي لديناصور هابيل. Credits: MUVP
ننظر إلى الزمن الجيولجي في رهبة لمعرفة أن الأيام والسنين البشرية لا تُقارن بتاريخ هذا الكوكب، متفاجئين أن أقدام حيوانات ضخمة للغاية وطأت مرة هنا وتركت ورائها ألغازًا ننتظر حلها والمشاركة في كتابة تاريخها. وبعد الجلوس لفترة طويلة في مقاعد المتفرجين، يمكننا أخيرًا أن نشارك في سبر أغوار هذا الكوكب. يقول د. سلام معلقًا: «نعد أول فريق مصري يقوم برحلات استكشافية بعد أن كان الفريق المصري لا يقدم سوى الدعم اللوجيستي للرحلات الأجنبية ومشاهدة الاكتشافات العلمية للعلماء الغرب». كذلك يعدنا بمزيد من الاكتشافات القادمة لما تمتلكه منطقة الواحات البحرية التي ستساعدنا على فهم أعمق لكوكبنا وما يواجهه من تحديات وتغيرات مناخية سوف تؤدي إلى كوارث قد تصل الى انقراض الجنس البشري، أو حدثت وأدت إلى انقراض أسياد الأرض من كائنات عملاقة مثل ديناصور هابيل.
المراجع
activewild.com
lindahall.org
livescience.com
nps.gov
ohio.edu
royalsocietypublishing.org
sciencealert.com
Cover Image: An imaginary figure of Abel. Credits: MUV