عندما ننظر حولنا اليوم، يشعر المرء بالارتباك من كثرة المشكلات في مختلف الجبهات الحياتية، والتي نجد أنفسنا مكبلين بها؛ فلا نعرف من أين وكيف نبدأ طريق الإصلاح. ويوجد مناطق عديدة، من الاقتصاد إلى الصحة، تحتاج بشدة إلى تفكير تشاركي عميق، وكثير من البحث المكثف والمجهودات الشاقة؛ إلا أن أحد العوامل الأكثر أهمية ومحورية، والذي يقع في لب كل شيء ويتصل بكل شيء آخر، هو التعليم.
على الرغم من وجود جوانب عدة في هذا المجال تحتاج إلى الاهتمام، فإن أحدها يبدو لي الأكثر إلحاحًا في الوقت الحالي؛ ألا وهو التعليم المهني. والواقع أن القوة العاملة من أهم المميزات التنافسية لمصر. فحسب الوكالة المركزية للتعبئة العامة والإحصاءات، وصلت القوة العاملة التقديرية إلى نحو 27 مليون شخص بمتوسط 400.000 خريج جامعي سنويًّا (2012)؛ الأمر الذي يجعل من مصر القوة العاملة الأكبر في العالم العربي والشرق الأوسط، وواحدًا من أكبر تجمعات خريجي الجامعة عالميًّا.
مع ذلك، فقد أصبح جليًّا أن كفاءة الخريجين الجامعيين بمصر لا ترقى للمستوى المطلوب. ويرجع ذلك للزيادة الفائقة في عدد الطلبة الجامعيين عن قدرة الجامعات، مما يؤدي لانخفاض حاد في جودة التعليم. وتواجه مصر في الوقت نفسه نقصًا مستمرًّا في الخبرة الفنية المتاحة لغير خريجي الجامعة، والذي يرجع إلى المستوى الاجتماعي المنخفض والنظرة الدونية المتصلين بالوظائف الفنية (منظمة التعاون والنمو الاقتصادي والبنك الدولي، 2010).
أصبح التعليم الجامعي على مر العقود هدفًا للجميع؛ إذ يعتبر كل ما هو دون ذلك نوعًا من الفشل. ومن ثم يوجد مزيد من خريجي الجامعة الذين يفشلون في العثور على وظائف تناسب دراستهم وتدريبهم؛ فينتهي بهم المطاف في أعمال ليسوا بكفء لها، أو برفض ذلك والعزوف عن العمل كليًّا.
ولتغيير النظرة العامة، يجب تمييز الخبرة الفنية في بعض الأوجه بالمقارنة مع التعليم الجامعي؛ فمثلاً، ومنذ عام 1976، يقدم التعليم المهني في اليابان معرفة فنية جديدة غير متاحة في الجامعات؛ الأمر الذي غير من الثقافة اليابانية بحيث أصبح يوجد أمل في الحصول على مراكز إدارية أعلى ومهارات تقنية أفضل من خلال التعليم المهني عوضًا عن التعليم الجامعي. وكذلك سُنَّت القوانين التي منحت المدارس التدريبية التي ترتقي إلى مستويات عالية من الجودة مستوى أعلى من الاعتماد. وقد كانت نتيجة ذلك أن زاد عدد المدارس التدريبية المتخصصة من 893 مدرسة في 1976 إلى 2520 مدرسة في 1980.
وبالمثل في البرازيل في عام 1996، سُن قانون عرف باسم «قانون معايير وسياسات التعليم القومي»، والذي أنشأ مدارس تعليم مهني في إطار معاهد التعليم العالي. وقد أدى ضم المدارس الفنية لمعاهد التعليم العالي إلى تغير كبير في الرؤية؛ حيث زاد عدد المدارس الفنية من 178 مدرسة في عام 2000 إلى 612 مدرسة في عام 2002.
إن المهارات أمرٌ حيوي لتقليص الفقر، والانتعاش الاقتصادي، والنمو المستدام؛ ولذلك فإن الاهتمام السياسي بالتعليم والتدريب الفني والمهني في تزايد عالميًّا. فتعمق منظمة اليونسكو من دعمها للتعليم والتدريب الفني والمهني بصفته حجر الزاوية لإصلاح التعليم والتدريب، وليس الحلقة الأضعف في النظم التعليمية. ومن خلال استراتيجيتها للتعليم والتدريب الفني والمهني، تُقر منظمة اليونسكو الدور الأساسي والمحوري الذي يلعبه في النمو، وبالأخص أهميته في معالجة مشكلات البطالة الشبابية، وتفاوت المساواة والدخل، والتنمية الاقتصادية المجتمعية، وبصورة أشمل، تحديات المستوى المعيشي.
فقد آن الأوان لاتخاذ الإجراءات اللازمة – وبأسرع وقت للإصلاح من النظرة المجتمعية نحو التعليم والتدريب الفني والمهني، ولدعم جيل جديد من العمالة الزاهية والمتدربة جيدًا، والتي من شأنها إعادة القوة العاملة المصرية لسابق رونقها وتميزها محليًّا، وإقليميًّا، ودوليًّا.
المراجع
unesco.org
aucegypt.edu
هذا المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في مجلة كوكب العلم، عدد ربيع 2015.
Cover Image by fxquadro on Freepik