الكل ينظر إلى الرياضيين وأبطال الرياضات باحترام؛ فالكل يحلم بجسد لائق. وبينما يتمرن كثيرون للحصول على جسد لائق، يمارس آخرون رياضات للحفاظ على لياقتهم، ويحرص بعض آخر على تحقيق البطولات في الرياضات التي يمارسونها، فإن قليلين جدًّا من حالفهم الحظ ليكونوا رياضيين بالفطرة. تتمتع مختلف الكائنات بقدرات بدنية فريدة جدًّا وضرورية لبقائها. ومن شأن هذه القدرات المذهلة –إن استطعنا قول هذا– أن تمكِّن ذويها من تحقيق إنجازات تاريخية في الأولمبياد. فمن العدائين فائقي السرعات إلى رافعي الأثقال مثيري الدهشة والسباحين المهرة، تزخر المملكة الحيوانية بأمثلتها الباهرة.
سل أي شخص عن أكبر مخلوق في العالم وستأتيك الإجابة «الحوت الأزرق». بالمثل، إن سألت عن المخلوق الأسرع، فستكون الإجابة السريعة «الفهد». الفهود، واسمها العلمي (Acinonyx jubatus)، هي أسرع الحيوانات البرية؛ حيث تصل سرعتها إلى 120 كيلو مترًا في الساعة. تحطم هذه القطط الكبيرة المذهلة جميع الأرقام القياسية. بينما سجَّل العدَّاء الجاميكي يوسين بولت الرقم القياسي العالمي في السرعة؛ إذ قطع مسافة 100 متر في 9.58 ثوانٍ، فإن أنثى الفهد «سارة» التي حققت أكبر سرعة مسجلة قطعت المسافة ذاتها في 5.95 ثانية. كذلك، وبالرغم من أنه يمكن زيادة سرعة سيارة الفيراري إنزو لتصل إلى 97 كيلو مترًا في الساعة، فإن الفهود تنطلق من نقطة الصفر إلى سرعة 1.4 كيلو متر في الساعة في ثلاث خطوات في ثلاث ثوانٍ فقط. الأمر مدهش، أليس كذلك؟ ولكن، كيف يحدث هذا؟
حسنًا، يسعنا القول إن الفهود خُلقت لتعدو بسرعة، وإن سرعتها تأتي نتيجة لعدة عوامل بدنية فريدة تتعلق بالديناميكا الهوائية. على سبيل المثال، يتمتع الفهد بجسد رشيق خفيف الوزن، ورأس صغير، وقفص صدري مسطح، وأرجل طويلة ورفيعة تقلل من مقاومة الهواء. ويمثل ذيل الفهد أكثر من نصف طوله، وهو ما يحافظ على التحكم والتوازن أيضًا في أثناء الركض حتى لا تدور عند الانحناءات السريعة.
مصدر الصورة: primeugandasafaris.blogspot.com
والوثبات واسعة الخطى التي تقوم بها الفهود مدهشة؛ حيث تصل إلى 7.5 أمتار عرضًا، وذلك يرجع إلى مرونة عمودها الفقري، وإلى أقدامها المميزة التي تعمل بمثابة الأوتاد التي تثبتها على الأرض وهي تجري. وبإمكان الفهود القيام بثلاث وثبات في ثانية واحدة، تكون قدم واحدة فقط ملامسة للأرض في أثنائها في أي وقت. علاوة على هذا، يتميز الفهد بقلب قوي كبير الحجم يضخ كميات كبيرة من الدماء، وأيضًا رئتين كبريين وفتحتي أنف واسعتين تسمحان باستنشاق الهواء بسرعة وعمق. وللفهد عينان طوليتان تمدانه برؤية واسعة النطاق لما حوله حتى في أثناء العدو بسرعة بالغة.
غير أن للسرعة عيوبها، وهي الحاجة إلى الراحة؛ لأنها تضع ضغطًا شديدًا على قلب الحيوان. نتيجة لهذا، تتسم مطاردات الفهد بقصر الوقت لتستمر نحو 30 ثانية يقطع فيها 550 مترًا. تجعل الأجساد الرشيقة صغيرة الحجم أيضًا من الفهود خصمًا أضعف من المفترسات الأخرى. وهذا يعني أن الفهد سيجري وقت المواجهة ولن يقاتل. كذلك سيجري الفهد بدلًا من الدفاع عن صغاره إذا ما هاجمتها المفترسات الأخرى، وهو ما يعود سلبًا على فرصة بقاء هذه المخلوقات المهددة بالانقراض. لسوء الحظ، يقدر عدد الفهود التي تعيش خارج حدائق الحيوان في قارة إفريقيا وإيران حاليًّا بنحو 9.000 إلى 12.000 فهد فقط.
مرة تلو المرة، تفاجئنا الطبيعة الأم هذه المرة بأبطالها الموهوبين. وما هذا السرد المختصر إلا دعوة للعقول التواقة للمعرفة أن تعلم كيف تعمل هذه الكائنات المدهشة وتتفكر في «صنع الله الذي أتقن كلَّ شيءٍ»، سورة النمل (الآية 88).
المراجع
animals.howstuffworks.com
هذا المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في مجلة «كوكب العلم»، عدد صيف 2018.
Banner image source: sohu.com