عندما نتحدث عن القوة (اقرأ موضوع «رياضيون بالفطرة (1)») قد نفكِّر في أبطال كمال الأجسام ورافعي الأثقال؛ إلا أنه يوجد بعض الرياضيين البريين الذين يقلون عنهم كثيرًا في الحجم، ولكن ليس في القدرة؛ إذ يستطيعون إظهار قوى مدهشة. في عام 2010، التقط باحثون بجامعة كامبردج صورة فوتوغرافية لنملة حائكة آسيوية (Oecophylla smaragdina) تحمل ما يفوق كتلها مائة مرة. بعدها بأربع سنوات، أثبتت دراسة نشرت في دورية الميكانيكا الحيوية (Journal of Biomechanics) أن مفصل الرقبة لنملة الحقل الشائعة (Formica spp.) يستطيع تحمل 5.000 مرة وزن النملة*. تبدو هذه القدرات الخارقة من عالم آخر، ولكن ما الأمر في الحقيقة إلا بعض القواعد الفيزيائية.
يشرح العلماء أنه كلما صغر حجم الكائن كان أقوى نسبيًّا من الكائنات الكبرى. فبينما تتسم الحيوانات الكبيرة بالعضلات الكبيرة، تذهب معظم قواها العضلية لتوفير الدعم اللازم لأجسامها الكبيرة ولوظائفها الحيوية. وعلى العكس، فإن الأجسام الصغيرة ذات الأجهزة الداخلية البسيطة تمكن الكائنات الصغيرة من استثمار معظم طاقة عضلاتها لحمل الأثقال. تتنوع نقاط القوة بين أنواع النمل المختلفة. على سبيل المثال، تتمتع نملة فخ الفك (Odontomachus) بعضلات فك سفلية شديدة القوة، في حين تتسم رقبة نملة الحقل ببنية دقيقة ذات بروز وغوائر تدعم حمل كتفيها.
ومن بين حاملات الأثقال المشهورة أيضًا بعض أنواع الخنافس. فتستطيع خنفساء هرقل (Dynastes hercules) – كما يوحي صيت نصف الإله الأسطوري الذي سميت تيمنًا به – حمل ما يعادل وزنها 100 مرة. ولكن الخنفساء البطلة تأتي من أصول أكثر تواضعًا بكثير من جبل الأوليمب. حيث تعيش خنفساء الروث ذات القرون (Onthophagus taurus) محاطة بالروث. ووفقًا للعلماء، تستطيع هذه الخنفساء الإمساك بكتلة تفوق وزنها 1180 مرة، وكذلك جرِّ كتلة تفوق وزنها 450 مرة بقرنيها القويين.
مرة تلو المرة، تفاجئنا الطبيعة الأم هذه المرة بأبطالها الموهوبين. وما هذا السرد المختصر إلا دعوة للعقول التواقة للمعرفة أن تعلم كيف تعمل هذه الكائنات المدهشة وتتفكر في «صنع الله الذي أتقن كلَّ شيءٍ»، سورة النمل (الآية 88).
*يرجى ملاحظة أن هناك فرقًا بين القدرة على تحمل الوزن ورفع الوزن. فالأوزان التي تستطيع هذه الكائنات رفعها عادة ما تكون أقل بكثير لما تنطوي عليه عملية الرفع من عوامل أخرى مثل الحفاظ على التوازن.
المراجع
animals.howstuffworks.com
bbc.com
cheetah.org
insidescience.org
livescience.comlivescience.com
mostlyopenocean.blogspot.com
news.nationalgeographic.com
popularmechanics.com
sciencemag.org
هذا المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في مجلة «كوكب العلم»، عدد صيف 2018.
Banner image: elsumario.com