كان للعلماء العرب المسلمين دور مهم وأثر كبير في الحضارة الإنسانية من خلال ما قدموه في العصور الوسطي من اختراعات، وابتكارات، ونظريات في مجالات الطب، والكيمياء، والصيدلة، والفيزياء، والهندسة، والجبر، والميكانيكا، والرياضيات، والفلك –ناهيك عن العلوم الإنسانية من شعر وأدب وعلوم اجتماعية– أو قل بشكل عام في المعرفة الإنسانية برمتها والتي هي سببٌ رئيس فيما نلمسه الآن من تطور وحضارة في وقتنا الحالي.
فبينما كانت أوروبا تغرق فى عصور الظلام والجهل، كانت القرون الوسطي من القرن الثامن إلى القرن الخامس عشر الميلادي العصر الذهبي للعلماء العرب وللحضارة العربية. ففي الرياضيات مثلاً، والتي تعد عامود الأساس الذي بُني عليه تاريخ الحضارة الإنسانية في العصر الحديث، ذكر «كارل بوبر»، وهو أحد أهم الشاغلين بفلسفة العلوم، في كتابه «تاريخ الرياضيات» في عام 1994م: «إنه بدون اكتشاف العرب للأعداد العربية كان من الممكن أن تكون الرياضيات الآن في مهدها، ولكن بواسطتها استطاع الإنسان أن يخترع، وأن يعرف الطبيعة بأكملها»، وهذا للأسف ما لا يعرفه كثير من العرب وغير العرب.
أما عن إسهامات العرب فى مجال الطب فقد أصدر العرب كتب طبية عديدة؛ مثل كتاب «الحاوي» لأبي بكر الرازي (250 هـ/ 864م)، و«القانون في الطب» لابن سينا (472 هـ/ 1037م)، وكتاب «التصريف لمن عجز عن التأليف» لأبي القاسم الزهراوي (427هـ/ 1035م). هذه الكتب التي كانت تدرس في جامعات أوروبا حتى القرن الثامن عشر الميلادي كانت حجر الأساس الذي بُني عليه علم الطب الحديث.
وقد برع العلماء المسلمون أيضًا في علم الصيدلة، ويكفينا ما جاء في الموسوعة البريطانية والذي نصه: «والحق أن كثيرًا من الأدوية وكثيرًا من مركباتها المعروفة حتى يومنا هذا والمبنى العام للصيدلة الحديثة –فيما عدا المركبات الحديثة بطبيعة الحال– قد بدأه العرب».
وأما عن مجال الفلك، فقد أسهم فيه العرب مسهمًا كبيرًا من اكتشاف مواقع النجوم وحركتها والمسافات بينها وابتكار الآلات والمعدات لرصدها فقد كانت هذه الإسهامات العربية بمثابة اللبنة الأولى لتأسيس علم الفلك وتسمية النجوم وتحديد مواقعها. ويتضح هذا جلينًا عند مراجعة أسماء النجوم والكواكب في وقتنا الحاضر لنكتشف أن أغلبها ظل بالتسميات العربية الأصيلة نفسها.
يضيق المقام هنا بالطبع عن ذكر كل إسهامات العرب في الحضارة الإنسانية عامة والعلمية خاصة وما كانت هذه الكلمات إلا ومضة خافتة لما أثرت به الحضارة العربية، حتى إن علوم الإغريق والرومان ترجمها العرب، وكان لهم أكبر باع في نقلها إلى الأمم الأخرى آن ذاك. وسنفرد في مقالات أخرى إسهامًا أو اختراعًا أو ابتكارًا أسهم في تاريخ الحضارة الإنسانية، وكان للعرب فضل الريادة والسبق فيه وما انعكس عليه من آثارٍ في وقتنا الحاضر.
فسأختم مقالي هذا بقول جورج سارتون «المسلمون عباقرة الشرق، لهم مأثرة عظمي على الإنسانية، تتمثل في أنهم تولِّوا كتابة أعظم الدراسات قيمة، وأكثرها أصالة وعمقًا، مستخدمين اللغة العربية التي كانت بلا مراء لغة العلم للجنس البشري.. لقد بلغ المسلمون ما يجوز تسميته، معجزة العلم العربي».
هذا المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في مجلة «كوكب العلم»، عدد شتاء 2014.
Cover banner: CordobaArabianArchs. Credit: Luca Volpi/Wikimedia