تكاد تكون الأزمة التي شهدها الجنس البشري في عام 2020 لا مثيل لها. فخلافًا لأي وباء سابق، قلب فيروس كورونا المستجد العالم أجمع رأسًا على عقب؛ إذ عانى الناس في جميع بقاع الأرض، وكان له تأثيرات خطيرة في نفسية الإنسان وحالاته العقلية. وكان من بين المجموعات التي تأثرت بشدة من الإغلاق طلاب الجامعات في كل مكان. ففي محاولة للحفاظ على التباعد الاجتماعي ومنع الازدحام، أغلقت الجامعات في جميع أنحاء العالم بعد تفشي جائحة كوفيد-19، وتحولت إلى التعلم عبر الإنترنت. على الرغم من أن الأمور بدت مشرقة ولامعة للطلاب، فتجربة التعلم عن بُعد لم تكن بهذه السهولة بالنسبة إلى كثيرين.
كان لطلاب الجامعات نصيب من القلق والتوتر والاكتئاب. فمع تحول الدراسة فجأة من الفصول الدراسية إلى الدراسة عبر الإنترنت، وجد الطلاب أنفسهم أمام تحديات جديدة كليًّا. فأحد أكبر التحديات التي يفرضها التعلم عن بعد قلة التفاعل الذي يميز المناقشات في الفصول الدراسية. فحتى عندما يستخدمون الكاميرات لا يوجد أدنى تشابه بين ذلك والتفاعل وجهًا لوجه؛ إذ يشارك الطلاب بحماس ويحصلون على ردود فعل فورية. يزداد الأمر سوءًا عند إيقاف الكاميرات؛ فيجد الطلاب أنفسهم يتفاعلون وشاشة مظلمة، ويفقدون ملاحظات المدرسين، التي يظهر قدر كبير منها في تعبيرات الوجه. تصبح الأمور أصعب عندما لا تكون بنية الإنترنت التحتية قوية بما يكفي؛ ما ينتج عنه سماع الطلاب لأجزاء فقط مما يقوله مدرسوهم، وتضيع نصف الجلسات في تحقق المدرس ما إذا كان يمكن للطلاب سماعه أم لا.
تجرى معظم هذه الجلسات الصعبة في غرف نوم الطلاب؛ ومن ثم يتأثرون لعدم وجود تغيير في حالة الطلاب العقلية؛ فمع مرور الوقت يفقدون الاهتمام والتحفيز حتى يمكنهم بالكاد فهم ما يقال خلال الدروس عبر الإنترنت. علاوة على ذلك، وجد الطلاب أنفسهم أمام سيل من رسائل البريد الإلكتروني، التي تطلب منهم كتابة المهام وإعداد العروض التقديمية، وتخطرهم بتغيير وقت المحاضرات أو بتعليقات على المهام السابقة؛ على خلاف أيام الجامعة التي تعلموا خلالها في الفصل الدراسي، ودرسوا في المنزل، وكان لديهم وقت لممارسة الأنشطة مع أقرانهم.
والامتحانات قصة أخرى؛ فيبدو أن الامتحانات عبر الإنترنت هي الوقت المناسب لتجميد أجهزة الكمبيوتر المحمولة، أو انقطاع التيار الكهربائي، أو قطع الاتصال بالإنترنت. كان هذا أحد أكبر مصادر الذعر لعديد من الطلاب؛ لأنهم ومعلميهم لم يتدربوا مطلقًا على استخدام التكنولوجيا في التدريس قبل الجائحة، وبدأت عملية التدريس عبر الإنترنت فجأة دون تحضير مسبق.
الأهم من كل ذلك، حرمان الطلاب من حياة جامعية عادية، حيث التواصل الاجتماعي والاختلاط بأقرانهم، وما لذلك من آثار نفسية صحية: كالعمل الجماعي، وتناول القهوة بين المحاضرات، والذهاب في رحلات جامعية، وكثير من الضحك والمرح، والذكريات التي تدوم مدى الحياة. ونتيجة للعبء النفسي الممزوج بالمخاوف التي يتقاسمها الجميع في مجتمعاتهم، عانى الطلاب تجربة صعبة، فكانوا يلهثون لمواكبة المواد الدراسية، ولا يحصلون على الراحة؛ بسبب كثرة المطالب والخوف من الامتحانات والمستقبل.
لقد غيّر تفشي فيروس كوفيد-19 صميم حياتنا، بالإضافة إلى آثاره الجسدية، فكان له أيضًا أثر في حالتنا العقلية. وعلى الرغم من تباين ردود أفعال الناس النفسية تجاه الجوائح، فكل منا عانى التعب بشكل أو بآخر. وإن زيارة طبيب نفسي ليست فكرة سيئة إذا شعرت أن تلك الفترة المتوترة، بكل متاعبها، سلبت بالفعل أفضل صفاتك. كذلك، فإن ممارسة الرياضة من شأنها تحسين مزاجك ومساعدتك على محاربة الكسل واليأس. يعمل العلماء على مدار الساعة للتوصل إلى حلول للأزمة. حتى ذلك الحين، دعونا نأمل الأفضل، ونحاول طرد التوتر والقلق من أذهاننا.
المراجع
Lischer, Suzanne, et al. “Remote Learning and Students’ Mental Health during the COVID-19 Pandemic:
A Mixed-Method Enquiry”. Prospects, 2021
Mahdy, Mohamed A. A. “The Impact of COVID-19 Pandemic on the Academic Performance of Veterinary
Medical Students”. Frontiers, Vol. 7, 2020
Taylor, Steven. The Psychology of Pandemics: Preparing for the Next Global Outbreak of Infectious Disease. Cambridge Scholar Publishing, 2019
Vos, Joel. The Psychology of COVID-19: Building Resilience for Future Pandemics. Sage, 2021
هذا المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في مجلة «كوكب العلم»، عدد شتاء/ خريف 2021.
Cover image by