في عام 1944، حضر إلى عيادة الطبيب الألماني المختص بطب المخ والأعصاب جوكاييم بودامر شاب يبلغ من العمر 24 عامًا مصاب بطلق ناري في رأسه أصاب منطقة المعالجة البصرية في الدماغ بالتلف. نتج عن ذلك الإصابة بعمى كلي امتد لأسابيع، وبعد استعادة بصره تدريجيًّا عانى من صعوبات في إدراك الألوان والأشكال. وقد لاحظ بودامر أن المريض يستطيع رؤية الوجوه ولكن لا يستطيع أن يميز أصحابها؛ إذ تبدو الوجوه بالنسبة إليه متشابهة لا فروق بينها، ولا يمكنه تمييز ما إذا كان هذا الوجه لرجل أو امرأة، إلا من خلال الصفات الخارجية كالشعر والملابس وغيرها. كانت هذه الحالة من ضمن الحالات التي ذكرها بودامر في تقريره عام 1947، والذي استخدم فيه مصطلح عمى تعرف الوجوه Prosopagnosia لأول مرة، وهو عبارة عن دمج كلمتي prosop التي تعني وجه مع كلمة agnosia التي تعني عمه/ عدم الاعتراف.
ما هو عمى تعرف الوجوه؟
هو اضطراب عصبي ينتج عنه عدم القدرة على تعرف الوجوه وتمييزها، ولا علاقة له بفقدان الذاكرة أو مشكلات البصر أو صعوبات التعلم. تبلغ نسبة الإصابة به 2.5٪ ويوجد نوعان من عمى الوجوه: نوع مكتسب، قد يكون بسبب الإصابة بجلطة في المخ أو إصابة دماغية رضحية أو أي مرض تنكسي عصبي مثل الألزهايمر والخرف. والنوع الثاني اضطراب خلقي يولد به الطفل نتيجة توارث بعض الجينات أو حدوث طفرة جينية سببت هذا الاضطراب. في بعض الأحيان يظهر هذا الاضطراب عند المصابين بالتوحد ومتلازمات اسبرجر ووليام وترنر، وقد يكون هذا السبب في مشكلة التواصل الاجتماعي لديهم.
يواجه المريض صعوبات مختلفة بسبب هذا المرض؛ منها: صعوبة تعرف ملامح الوجوه المألوفة من الأقارب والأصدقاء وحتى أقرب الأشخاص إليه مثل الزوجة/ الزوج والأولاد، أو صعوبة تعرف الوجوه غير المألوفة، أو صعوبة تعرف وجوههم في المرآة، أو صعوبة تمييز الوجه عن الأشياء. في الحالات الشديدة قد تكون الصعوبة في تمييز الحيوانات أو السيارات، أو صعوبة في تعرف تعابير الوجه وتحديد العمر والجنس، أو صعوبة في تمييز الأشخاص المرتدين زي موحد. فيشعر المريض بالارتباك الشديد في متابعة الأفلام والمسلسلات، ويضل الطريق في الأماكن المزدحمة؛ أما الأطفال فيواجهون صعوبات في تكوين صداقات وفي تعرف آبائهم خارج المنزل، كما يشعرون بالعزلة في المدرسة.
لهذا المرض آثار سلبية على كل من يصاب به؛ منها: العزلة الاجتماعية، والاكتئاب، وصعوبات في بناء العلاقات الشخصية، وصعوبات في الحياة المهنية، وتجنب المناسبات الاجتماعية ولقاء آناس جديدة، ورفض تحية الأفراد بأسمائهم.
ترجع مشكلة صعوبة التشخيص إلى عدم وجود خط فاصل بين عمى الوجوه والقدرة المتوسطة على تذكر الوجوه. فتوجد اختبارات عصبية وحسية للتأكد من سلامة النظر واستبعاد أي مشكلات فيه، واختبارات أخرى لاستبعاد أي قصور في القدرات الذهنية، واختبارات للذاكرة وتعرف الأشياء لاستبعاد أي نوع من أنواع العمى (العجز عن إدراك منبه حسي). وكذلك توجد اختبارات تشخيصية، مثل الأشعة المقطعية ورسم المخ والرنين المغناطيسي، واختبارات خاصة بتعرف الوجوه، مثل اختبار بنتون الذي يطلب فيه من الشخص اختيار وجه من بين ستة أوجه لمطابقته مع الوجه المعطى وهي صور لوجوه فقط لا يميزها أي شيء كشعر أو قبعة.
حتى الآن، لا يوجد علاج لعمى الوجوه؛ ولكن إذا كان عمى الوجوه ناتج عن سبب يمكن علاجه سواء دوائيًّا أو جراحيًّا فهذا سيكون حلًّا ملائمًا. أما الحالات الأخرى فيتم تدريبهم على التكيف مع هذا الاضطراب باستخدام تلميحات مختلفة لتعرف الأشخاص؛ كاستخدام صوت المتحدث والملابس وطريقة تصفيف الشعر والعطور والطول والحلي. وتبقى الأسئلة عديدة حول هذا الاضطراب ومحاولة فهمه وإيجاد طرق لعلاجه.
المراجع
baptisthealth.com
blogs.scientificamerican.com
healthline.com
my.clevelandclinic.org
prosopagnosiaresearch.org
Cover image source: thinking.umwblogs.org. Credit: olly - stock.adobe.com