عندما نتحدث عن علماء الآثار والباحثين عن الكنوز، يفكر أغلبنا في إنديانا جونز؛ الأستاذ الجامعي وعالم الآثار الذي اشتهر في سلسلة الأفلام التي جسدها هاريسون فورد. فكثير من الناس يحبون تلك الدرجات العالية من التشويق، ولا يمكننا أن نغفل ذكر فرص السفر إلى البلدان الغريبة في رحلة البحث عن الكنوز في المعابد القديمة، وإنقاذ من يقعون في المشكلات، ومحاربة الأشرار، وإنقاذ العالم.
إلا أنه في عالمنا الحقيقي ليست الأمور يسيرة مثلما تبدو في الأفلام؛ فاكتشاف المدن القديمة المفقودة قد يستغرق سنوات. ويعتمد علماء الآثار في المقام الأول على المعاول والخرائط الورقية للكشف عن أماكن الأطلال القديمة. ولكن الآن، ولحسن الحظ، سهلت عملية «التنقيب عن الآثار بالأقمار الصناعية» البحث عن الدلالات المفقودة والمدفونة منذ آلاف السنين.
تعد عملية التنقيب عن الآثار بالأقمار الصناعية طريقة جديدة تستخدم في وضع خارطة للمواقع الأثرية المحتملة ومراقبتها أمام التوسع العمراني، والسلب، وتلوث المياه الجوفية التي قد تمثل خطرًا على تلك المواقع. وتستخدم تلك التكنولوجيا أقمارًا صناعية عالية الدقة مزودة بالقدرات الحرارية والأشعة تحت الحمراء لتحديد المواقع الأرضية المثيرة للاهتمام على عمق متر أو أكثر.
في الواقع، تتزايد أهمية تلك التقنية في مجال البحوث الأثرية؛ حيث تسمح لعلماء الآثار بالكشف عن بيانات فريدة يصعب الحصول عليها بالطرق التقليدية. فالأقمار الصناعية تصدر صورًا ثلاثية الأبعاد للمنطقة لتظهر وجود أية تركيبات من صنع الإنسان أسفل التربة أو نباتات أرضية يصعب رؤيتها بالعين المجردة. وفور تحديد تلك المواقع المحتملة يتم التحقق منها من قبل الأفراد على الأرض.
قامت سارة هيلين باركاك - باحثة آثار، وعالمة مصريات، وخبيرة الاستشعار عن بُعد - باستخدام البيانات الطوبوغرافية الخاصة بوكالة ناسا في تحديد المواقع الأثرية المحتملة في مصر، وروما، وفي أماكن أخرى بالإمبراطورية الرومانية السابقة، كما تتولى قيادة مشروعات البحث والتنقيب في الفيوم، وسيناء، وشرق دلتا مصر. وبفضل تقنيات التصوير التي تستخدم الأشعة تحت الحمراء، والتي تسهلها الأقمار الصناعية عن طريق الاستشعار عن بُعد، تمكنت باركاك وفريقها من اكتشاف آلاف المواقع الأثرية في مصر، ومن متابعة التركيبات المدفونة في الرمال، مثل شبكة الطرق القديمة من الشوارع والمنازل بتانيس، التي كانت يومًا ما عاصمة لمصر القديمة واندثرت تمامًا الآن تحت الأرض.
وتم الكشف أيضًا عن أكثر من ألف مقبرة وثلاثة آلاف مستوطنة قديمة عن طريق النظر في صور التقطت باستخدام الأشعة تحت الحمراء، والتي تظهر مباني تحت الأرض نتيجة الكثافات المختلفة بين الطوب المصنوع من الطين الكثيف الذي استخدم في مصر القديمة في عمليات التشييد، والرمال أو التربة المحيطة الأقل كثافة التي قد يبقى أسفلها الآن الطوب المصنوع من الطين مدفونًا. فالكاميرات بالأقمار الصناعية قوية جدًّا إلى درجة أنها قد تصبح قادرة على التقاط الأجسام التي يقل قطرها عن متر.
ليس هناك شك في أن أحدث تقنيات الاستشعار عن بُعد سوف تساعد علماء الآثار على اكتشاف مئات آلاف المواقع القديمة التي لم تكتشف بعد حول العالم. فقد يتوقفون عن عمليات الحفر تمامًا والقيام بإرسال روبوتات دقيقة لاستكشاف باطن الأرض، وترك كنوز التراث الثقافي حول العالم كما هي لصالح الأجيال القادمة. وفي نفس الآونة، يأمل علماء الآثار في اكتشاف حلول أفضل لتحسين تلك التقنيات إلى درجة تمكنهم من تكبير صورة كسرة أثرية بأحد الأواني الفخارية المدفونة تحت سطح الأرض.
المراجع
age-of-the-sage.org
nationalgeographic.com
livescience.com
هذا المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في مجلة كوكب العلم، عدد شتاء 2017.
Cover Image by brgfx on Freepik