يتناقل الناس ويتوراثون كثيرًا من المفاهيم والاعتقادات الخاطئة عن مختلف العادات الغذائية جيلًا بعد جيل. فمن منا لم تحذره أمه أو جدته من بلع العلكة؛ خوفًا من التصاقها بمعدته، أو تجنب تناول البيض، والسمك، والعدس أثناء الإصابة بنزلات البرد؟ نتداول جميعًا نصائح لفقدان الوزن؛ منها ما يُزكي تناول اللبن خالي الدسم، أو يجزل المديح في مميزات السكر البني مقارنة بالأبيض، أو يوجه الاتهامات للوجبات المتأخرة ليلًا بأنها سبب رئيسي في زيادة الوزن والسمنة، وغيرها كثير من الخرافات الخاطئة. فلنستعرض معًا فيما يلي بعض تلك الاعتقادات التي كبرنا ونحن نتناقلها من دون تفكير، ونُفنِّدها؛ بحثًا عن الحقيقة.
الأنظمة الغذائية
يمتلئ عالم الأنظمة الغذائية الخاصة بفقدان الوزن بالخرافات والمفاهيم المغلوطة. فيعتقد بعض الناس أن تجويع النفس أفضل طريقة لخسارة الوزن، ولكن هذا عارٍ تمامًا من الصحة. فأولًا، تجويع الجسم سيفشل في بدايته على الأرجح لصعوبته وخطورته البالغة على الصحة؛ مما قد يؤدي إلى اشتهاء أنواع الأطعمة عالية السعرات الحرارية شتى، ومن ثم اكتساب الوزن وليس خسارته.
ومن المعتقدات الخاطئة أيضًا تجنب تناول النشويات لأنها تزيد الوزن، والحقيقة أنها بريئة من ذلك الادعاء. فتناول النشويات المعقدة، مثل: الحبوب الكاملة والبطاطس والأرز – دون صلصات دسمة أو قلي – أمر ضروري لتصميم وجبة غذائية متوازنة. فعدم توازن الوجبات لتشمل كل العناصر الغذائية الضرورية يُضعف الجسم ويوهنه، ويتركه فريسة للأمراض. لذا، فالخيار الصحيح هو تناول وجبات متنوعة المكونات ومنخفضة السعرات الحرارية؛ لفقدان الوزن ببطء وعلى فترات طويلة.
ومن المغالطات المنتشرة في هذه الآونة أن زيادة عدد الوجبات يزيد معدل حرق الطعام. يستهلك التأثير الحراري للغذاء – وهو ما يحتاج إليه الجسم من سعرات حرارية في عملية الهضم – نحو 10% من إجمالي السعرات الحرارية التي تناولتها، وذلك لا علاقة له بعدد الوجبات، ولكن بحجم السعرات الإجمالية التي يتناولها الشخص في اليوم. وعلى جانب آخر، تمنع الوجبات الخفيفة قليلة السعرات الحرارية الشعور بالجوع الشديد بين الوجبات؛ مما قد يساعد الإنسان على التحكم في شهيته وليس زيادة معدل الحرق.
أخيرًا وليس آخرًا، هل تزيد الوجبات الليلية الوزن؟ نعم، إن كنت فأرًا! فقد بُنيت تلك الفكرة على تجارب أجريت على الفئران. فوُجد أن الفئران التي تخالف نظام الساعة البيولوجية – القائم على أن الليل للراحة وليس للأكل – تكتسب وزنًا أكثر من غيرها، ولكن لم يثبت ذلك على الإنسان، والأهم من موعد تناول الطعام هو نوعه والسعرات الحرارية التي يحتويها. فمن يعتادون تناول أطعمة عالية السعرات ليلًا يكتسبون الوزن حتمًا، ليس بسبب توقيت تناول الوجبة، ولكن بسبب السعرات الحرارية المرتفعة التي تحتويها.
اللبن
يُحذِّر كثيرون من شرب اللبن بعد تناول البيض، في حين إنهما يشكلان معًا مصدرًا غنيًّا للبروتين في وجبة الإفطار. فالبيض غني بالبروتين والأحماض الأمينية والدهون الصحية، في حين يمد اللبن الجسم بالكالسيوم والبروتين. ولا مانع إطلاقًا من الجمع بينهما إلا في حالة تناول البيض النَّيء؛ إذ يتحد بروتين البيض مع البيوتين (فيتامين ب 7) ويحد من امتصاصه، بالإضافة إلى إمكان حدوث تسمم غذائي نتيجة العدوى البكتيرية إثر تناول البيض النَّيء.
ومن الخرافات أيضًا الاعتقاد أن اللبن خالي الدسم أقوى صحة من اللبن كامل الدسم؛ إذ لم يثبت تعرض الأشخاص الذين يتناولون اللبن كامل الدسم لأزمات قلبية أو مرض السكري بنسبة أكبر مقارنة بمحبي اللبن خالي الدسم، بل لا يوجد فرق في معدل تعرض الفريقين للسمنة. الأمر كله زيادة امتصاص فيتامين (د) وفيتامين (أ) في حالة شرب اللبن قليل أو خالي الدسم؛ لذا نجد الأمر به كثير من المبالغة. والخرافة الثالثة تدعو إلى مقاطعة الألبان – بل البيض والأسماك أيضًا – إن كنت مصابًا بالبرد أو الإنفلونزا. على العكس، فإن الجسم يحتاج إلى التغذية الجيدة الغنية بالبروتينات وقت المرض، ولا ضرر من تناول تلك الأصناف مع استبعاد الإصابة بحساسية تجاه أي منها.
الخرافة الرابعة عن اللبن، هي اتهامه أنه يسبب الإصابة بالبثور التي تصيب البشرة في الوجه والرقبة (حب الشباب)، ولكن تؤكد الأكاديمية الأمريكية للأمراض الجلدية والكلية الأسترالية لأطباء الأمراض الجلدية، أن أسباب حب الشباب تنحصر في المشاكل الهرمونية، ونوع الجلد، والجينات الوراثية، أو التعرض للملوثات من العوامل البيئية المحيطة، وأنه لا يوجد علاقة بين الأنظمة الغذائية عامة ومنتجات الألبان خاصة وظهور أو انتشار البثور وحب الشباب على الجلد. ولكن لبشرة صحية وقوية تستطيع مقاومة العوامل البيئية والملوثات، يوصى باتباع نظام غذائي متكامل ومتنوع يحتوي كل العناصر الغذائية يوميًّا.
لا يتوقف الأمر عند هذا الحدِّ، توجد بعض الأصوات التي تأخذ الأمر إلى أبعد من هذا، وتنادي بضرورة توقف البشر عن شرب حليب الأبقار من الأساس؛ كونه مخصصًا ومناسبًا للعجول فقط. فهو غني بكمية كبيرة من الدهون والبروتينات التي تحتاج إليها العجول ليزيد وزنها بشكل كبير، ويضيفون أنه قد يسبب أمراضًا للبشر. في الحقيقة، قد يعاني بعض الأشخاص مشكلات بسبب اللاكتوز الموجود في حليب الأبقار؛ إذ يعانون الحساسية، أو عسر الهضم والاضطرابات المعدية، ولكن معظم الناس يتناولونه دون مشكلات. وهو مصدر غني بالبروتين، والكالسيوم، واليود، وغيرها من العناصر المهمة.
السكر
قد سمعت الخرافة القائلة إن السكر البني أفضل من الأبيض، ولكن في الواقع يتعامل الجسم معهما بالطريقة نفسها. فالنوعان يحتويان السعرات الحرارية ذاتها، بل بعض أنواع السكر البني تحتوي سعرات أعلى من الأبيض. ويرجع لون السكر البني الداكن إلى قلة عمليات التكرير واختلاطه بدبس السكر غير المكرر – وتُجرى عملية تكرير السكر؛ من أجل التخلص من الشوائب وتنقية السكر وكذلك من أجل بيع دبس السكر كمنتج منفصل – ولهذا يجب استهلاك نوعي السكر بحذر.
يُتهم السكر أيضًا بأنه يسبب فرط نشاط الأطفال، ولكن أثبتت دراسة أجريت عام 2017، ونشرت نتائجها بمجلة الصحة الدولية لعلوم الغذاء والتغذية، التي أجريت على 287 طفلًا تتراوح أعمارهم ما بين 8 و12 عامًا، لدراسة تأثير استهلاك المواد السكرية في سلوك الأطفال، بعد جمع العلماء النتائج السلوكية، وعادات النوم، وتناول الطعام – أثبتت أن أكثر من 81% من الأطفال يستهلكون كميات كبيرة من السكريات، ورغم ذلك فتناول كل ذلك القدر من الحلوى لم يرتبط بسلوكياتهم أو يؤثر في أنماط النوم.
وهذه الدراسة تثبت عدم وجود علاقة مباشرة بين تناول الأطفال للحلوى والسكريات، وفرط النشاط والحركة، باستثناء نسبة قليلة منهم قد تتفاعل أجسامهم بشكل مختلف مع تناول السكريات؛ فيزداد بالفعل معدل نشاطهم أو يعانون مشكلات في النوم. ولكن، لا جدال أن الإفراط في تناول السكريات قد يسبب السمنة؛ لما تحتويه من سعرات عالية، ومن ثم مخاطرة الإصابة بالسكري من النوع الثاني، وتسوس الأسنان، وغيرها من الأمراض.
وهكذا، نجد أن الخرافات والمفاهيم الخاطئة قد تمنعنا من الاستمتاع بالحياة، وتحدُّ من استغلالنا للموارد من حولنا، بل تؤذينا وتلحق بصحتنا أضرارًا بالغة. لذا، يجب علينا دائمًا البحث والتحقق من المعلومات المتوارثة قبل اعتمادها أو تداولها بين الناس. أما الإجابة عن سؤالنا الأول المطروح في هذا المقال عن بلع العلكة، فهو أن المعدة لا تستطيع بالفعل هضمها، ولكنها بالتأكيد لا تبقى في المعدة أو الأمعاء لمدة سبع سنوات، بل تتحرك في مسار الجهاز الهضمي طبيعيًّا حتى تخرج مع البراز.
المراجع
food.ndtv.com
health.harvard.edu
healthline.com
mayoclinic.org
medicalnewstoday.com
parents.com
thebitingtruth.com
today.com
هذا المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في مجلة كوكب العلم، عدد خريف 2020.
Cover Image by azerbaijan_stockers on Freepik