عادة ما يُنظر إلى ممارسة الرياضة على أنها سلوك إيجابي ذو فوائد صحية واجتماعية عديدة. ومنذ العصور القديمة، كان الناس يحتفون بالرياضة في مناسبات خاصة يتنافس فيها الرياضيون على المراكز الأولى. والآن أصبح هناك عدد كبير من البطولات الرياضية الدورية الخاصة برياضة واحدة أو بمجموعة من الرياضات. وفي حين أن تناول العقاقير المحسنة للأداء أمر محظور تمامًا في تلك البطولات، حيث يخضع الرياضيون المشاركون فيها لاختبارات دقيقة، فإن الأمور لم تكن على حالها دائمًا.
انتهيت مؤخرًا من قراءة رواية أمتعتني وأعجبتني كثيرًا، عنوانها «حدث في برلين» للروائي المصري هشام الخشن. ومثلها مثل كثير من الأعمال الأدبية، فإنها تلقي الضوء على بعض المآسي الواقعية التي مرت بها الإنسانية. وقد تأثرت شخصيًّا بمأساة لاعبة أوليمبية من ألمانيا الشرقية، تتعرض أولًا لحادث ينهي حياتها المهنية، ثم تعاني الآثار الصحية المدمرة لعقاقير تحسين الأداء التي كانت تتناولها على أساس أنها فيتامينات.
في الواقع، حقق الرياضيون من ألمانيا الشرقية نتائج مبهرة في البطولات؛ إلا أن هذا التفوق كان جزءًا من برنامج لاستخدام العقاقير المحسنة للأداء، كانت الدولة ترعاه بهدف تحسين صورة نظامها الشمولي. وقد اكتُشف هذا البرنامج السري الذي بدأ منذ ستينيات القرن العشرين بعد سقوط ألمانيا الشرقية عام 1989. والحقيقة أنه كان هناك عدة دول أخرى معروفة باستخدام المنشطات قبل فرض اختبارات المنشطات رسميًّا في البطولات.
وقد كان لتناول المنشطات تأثيرات صحية مدمرة في أكثر من 10,000 رياضي من ألمانيا الشرقية، وغيرهم كثيرين من دول أخرى. وتضمنت تلك التأثيرات الأورام، والسكري، والنوبات القلبية، وأمراض الغدة الدرقية، وفقدان البصر، والصداع المزمن، وغيرها. كما سببت المنشطات الهرمونية مشكلات صحية أخرى متعلقة بنوع جنس الرياضي. على سبيل المثال، ظهرت على لاعبات ألمانيا الشرقية أعراض مثل خشونة الصوت وتضخم حجم الجسم.
بدأت جهود حظر استخدام المنشطات تزامنًا مع الحادث المأساوي للاعب الدنماركي كنود جنسن، الذي فقد حياته في أثناء سباق للدراجات عام 1960 بسبب تناول أحد العقاقير المحسنة للأداء. وقد تمت أولى المحاولات الرامية إلى حظر المنشطات بمعرفة اللجنة الطبية الخاصة بالألعاب الأوليمبية، ثم انضم إليها الاتحاد الدولي لألعاب القوى. وفي عام 1999، تأسست الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات (WADA) بهدف قيادة أعمال التنسيق للجهود الدولية للقضاء على استخدام المنشطات في الرياضة. ويتمثل دور الوكالة الرئيسي في وضع القواعد والسياسات المتعلقة بمكافحة استخدام المنشطات في جميع الرياضات وتنسيقها.
ولحسن الحظ، حاليًّا يُعدُّ تناول المنشطات أو تداولها جريمة تتنافى مع القيم الأساسية للرياضة وتقوِّض نزاهة الرياضيين. وأصبحت وسائل الإعلام تصف حوادث تعاطي المنشطات بـ«الفضائح»، كما يجرد الرياضيون الذين يثبُث خرقهم لقواعد مكافحة المنشطات من ألقابهم.
في رأيي، إنه درب من الجنون أن يضحي شخص بصحته من أجل تحقيق لقب، أو أن تضحي دولة بلاعبيها من أجل الحصول على اعتراف دولي أو جني مكاسب اقتصادية وسياسية. على العكس، يجب أن تكون الرياضة عامةً –والرياضة الدولية خاصةً– وسيلة لتوحيد الشعوب والدول وتعزيز السلام العالمي.
المراجع
globalsportmatters.com
interpol.int
pubmed.ncbi.nlm.nih.gov
wada-ama.org
*اقرأ مزيدًا في مقال «أسرع، أعلى، أقوى: فلنتحدث علميًّا!» بقلم إسراء على.