31 مايو هو اليوم العالمي للامتناع عن تعاطي التبغ؛ ومن ضمن موضوعات أخرى ذات صلة، يهدف هذا الاحتفال السنوي إلى إعلام الجماهير بمخاطر استخدام التبغ وماذا يمكن للناس حول العالم فعله لاستعادة حقهم في الصحة والحياة الصحية وفي حماية أجيال المستقبل.
**********************************
لقد نشأت في ثمانينيات القرن الماضي، وبالرغم من أن تدخين السجائر كان أمرًا رائجًا في ذلك الوقت، إلا أنني كنت أكره هذه العادة. لماذا؟ السبب أن أبي، مثله مثل أغلبية رجال ونساء جيله، كان مُدخنًا شرهًا، وكان واضحًا بالنسبة لي كيف أثر ذلك سلبًا في صحته. ولم تؤثر السجائر سلبًا في صحة أبي الذي توفي فجأةً عن عمر يناهز 57 عامًا فحسب، بل على عدد كبير من أعمامي وأخوالي وأهالي أصدقائي الذين ظلوا يعانون حتى عمر كبير. فلم أفهم أبدًا لماذا أصر معظمهم على الاستمرار في التدخين رغم عناء السعال المستمر، وصعوبة التنفس، والبشرة الرمادية الجافة، والأعين المحمرة دائمًا.
في وقتنا هذا، قرابة فرد من بين كل أربعة أفراد يدخن التبغ. فلماذا تستمر أعداد كبيرة من سكان العالم في التدخين رغم الأدلة الطبية الدماغة على مخاطره؟ الناس يعرفون جيدًا أن التدخين مضر، ومع ذلك يستمرون فيه لما له من ملذات فردية ومجتمعية.
التبغ: نبذة تاريخية
أدى التبغ دورًا بارزًا في الثقافة الأمريكية الأصلية منذ آلاف السنين. فكان له استخدامات طبية وكثيرًا ما كان يُهدى لإنشاء الصلات الاجتماعية وتوطيدها وتأسيس التسلسل الهرمي المجتمعي.
وقد أدخل البحارة العائدون من الأمريكتين في أواخر القرن الخامس عشر وأوائل القرن السادس عشر ممارسة التدخين إلى أوروبا. فاعتقد كثير من الأوروبيين أنه يمكن إدماج التبغ في التقاليد الطبية الغربية واحتفوا به دواءً شاملًا. ورغم بعض الاعتراض، قُبل التبغ في ثقافة العالم القديم بفضل مناصرة عديد من الحكام والأرستقراطيين.
بحلول القرن السابع عشر كان التبغ يُزرع في الهند والصين واليابان وجنوب شرق آسيا والشرق الأوسط وغرب أفريقيا. وبحلول منتصف القرن التاسع عشر أصبح التدخين طقسًا قائمًا في جميع أنحاء العالم تحتفى به الفنون. فتحدثت المصادر الأدبية عن معدات طقس التدخين: الغلايين والمنظفات والحاملات واللفافات والمباصق والمنافض والجربة وأوعية التخزين والولاعات، بالإضافة إلى سترات ومقاعد وقبعات وأحذية التدخين.
ظهور السجائر
كانت السجائر تباع في الأصل بوصفها سلعة مترفة مصنوعة يدويًّا وباهظة الثمن؛ حتى حدثت ثورة في تصنيعها مع استحداث ماكينة اللف التي سُجلت في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1880. يرجع الفضل في نجاح السجائر إلى استراتيجيات الأعمال للشركات الكبرى والتبني السريع لتدخين تبغ فرجينيا وهو أخف وأسهل في التدخين وغير مكلف إلى حد ما.
كان النصف الأول من القرن العشرين العصر الذهبي للسجائر؛ فبحلول عام 1950 كان قرابة نصف سكان الدول الصناعية يدخنون. فأصبح التدخين شكلًا مقبولًا من السلوك الاجتماعي في جميع مناحي الحياة وحرص متخصصو الدعاية والإعلان على إظهار جميع الأنشطة الرفاهية التي لا تكتمل إلا بإضافة السجائر.
في إطار هذه الثقافة، لم يكن هناك متسعًا لمعارضة التبغ. في عام 1950، قدمت أعمال الطبيب إرنست ويندر والإحصائيين أوستين برادفورد هيل والسير ريتشارد دول أدلة مُحكمة تربط بين سرطان الرئة والتدخين. فجاءت هذه المعلومات صادمة للمدخنين الذين قاوموا التنازل عن التدخين.
ولكن الأدلة الأحدث على التأثير السلبي لدخان التبغ في غير المدخنين ساعدت على تغيير وجهات النظر ضد التدخين. في عام 2004، كانت أيرلندا أول دولة تمنع التدخين داخل أماكن العمل المغلقة، وقد تبعتها دول أخرى منذ ذلك الوقت. ومع ذلك، فإن السيطرة القوية للتدخين على الثقافة الشعبية العالمية تشير إلى أن هذه الممارسة ستستمر.
استبدال السجائر
السجائر الإلكترونية
قرابة سبعة من بين عشرة مدخنين يقولون إنهم يريدون التوقف عن التدخين. وكثيرون اليوم يغريهم التحول إلى السجائر الإلكترونية بأنواعها المختلفة كمرحلة انتقالية نحو الإقلاع عن التدخين تمامًا. وتدخين السجائر الإلكترونية أقل ضررًا من التدخين التقليدي، إلا أنه غير آمن.
فالسجائر الإلكترونية تسخن النيكوتين (المستخرج من التبغ)، ومكسبات الطعم، وغيرها من الكيماويات؛ لإنتاج هباء يستنشقه المدخن. في فبراير 2020، أكدت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) 2807 حالة إصابة رئوية مرتبطة باستخدام السجائر الإلكترونية (EVALI) و68 حالة وفاة ناجمة عنها. وقد وصفت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها مادة آسيتات فيتامين هـ الكيميائية بأنها مادة مقلقة، وذلك لدى الحالات التي تعاني إصابات رئوية مرتبطة باستخدام السجائر الإلكترونية. وآسيتات فيتامين هـ عبارة عن عنصر تسميك كثيرًا ما يستخدم في منتجات التدخين الإلكتروني، وقد وُجدت في جميع عينات السوائل الرئوية للمرضى الذين يعانون إصابة رئوية مرتبطة باستخدام السجائر الإلكترونية الذين فحصتهم مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها.
ما زال يوجد كثير من الأشياء التي نجهلها عن التدخين الإلكتروني، بما في ذلك ماهية الكيماويات التي تصنع الهباء، وكيف تؤثر في الصحة الجسمانية على المدى البعيد. ولأن السجائر الإلكترونية أيضًا تحتوي على النيكوتين؛ فإنها تسبب الإدمان مثلها مثل السجائر التقليدية.
الهباء الخالي من النيكوتين
مؤخرًا يوجد دفع نحو بدائل السجائر التي لا تشمل استنشاق الدخان الناجم عن احتراق مادة نباتية. والسيجارة الإلكترونية الخالية من النيكوتين عبارة عن جهاز يسخن محلول من البروبيلين جليكول والجليسرين وغيرها من الإضافات؛ لعمل هباء يتم استنشاقه. وقد أصبحت رائجة جدًّا مؤخرًا بين الأشخاص الذين يبحثون عن بديل «أصح» لتدخين السجائر.
مع ذلك فإن الجليسرين والجليكول كلاهما يعرف بالتسبب في تهيج ملحوظ في مجرى الهواء العلوي، ما قد يسبب سعالًا مستمرًا. فتأتي السجائر الإلكترونية الخالية من النيكوتين بقائمة طويلة من الآثار الجانبية السلبية مع كل استخدام. كذلك هناك مخاطرة تتمثل في أن تسهم مواد أو إضافات كيماوية معينة في السجائر الإلكترونية الخالية من النيكوتين في تدهور المشكلات الصحية، أو أن تسبب بعضها.
على سبيل المثال، حدثت كثير من مسببات حالة تسمى «رئة الفيشار» لأن شخص ما استخدم سيجارة إلكترونية خالية من النيكوتين مختلطة بإضافة أو عنصر قطع أو أي مركب آخر غير آمن للتبخير. وما أن تتبخر تلك المادة الكيماوية ويتم استنشاقها، فإنها تتسبب في دمار غير قابل للعلاج في النسيج داخل الرئة محولًا إياه إلى نسيج ندبي. ومع إصابة نسيج الرئة، تقل قدرة الرئة على توصيل الدم الغني بالأكسجينإلى باقي الجسم بصفة دائمة. وهذا يمكن أن يؤدي إلى قيود جسدية مدى الحياة، وسهولة الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي، وحتى احتمالية الحاجة إلى الأكسجين في مرحلة ما.
محاربة السجائر
يمكن أن يؤدي استخدام التبغ إلى نطاق كبير من الأمراض، بما في ذلك: السرطان وأمراض القلب والسكتة الدماغية وقرح المعدة وأمراض الصدر والرئة. الخبر الجيد هو أن الجسم يبدأ في التعافي بمجرد أن يتوقف الشخص عن التدخين.
إن الغالبية العظمى من الناس اليوم يعرفون جيدًا مخاطر التدخين، ولكن التوقف عنه أمر صعب. لماذا؟ لأن التدخين أولًا وقبل أي شيء إدمان. فيأتي الإقلاع عن التدخين بأعراض انسحاب مثل: مشكلات النوم والتذمر والجوع والقلق.
يضخ العلاج ببدائل النيكوتين جرعات صغيرة محددة من النيكوتين في مجرى الدم بدون الكيماويات الضارة الموجودة في السجائر. وتشمل هذه البدائل: الرقعات واللبان وأقراص الاستحلاب والبخاخات وأجهزة الاستنشاق. وهي آمنة الاستخدام، ولكنها قد تسبب آثارًا جانبية خفيفة لا تدوم طويلًا عادةً. هذه المنتجات متاحة في الصيدليات وبعض المتاجر بدون روشتة طبيب.
***************************************
تدخين السجائر التقليدية وتدخين السجائر الإلكترونية وجهان لعملة واحدة؛ فقد يبدوأن إحداهما أصح، ولكن كلاهما خطر. إن صحة الإنسان كنز ثمين؛ لذلك فإن مجرد المساس به –ناهيك بفقدانه– يجب أن يكون أمرًا يسعى المرء لتفاديه بكل ما لديه من قوة. قُل لا للتدخين وكل الممارسات المشابهة اليوم وكل يوم.
المراجع
www.who.int
ourworldindata.org
www.britannica.com
www.healthdirect.gov.au
www.hopkinsmedicine.org
www.infiniterecovery.com