الأنواع الرئيسية كائنات حية تساعد على الحفاظ على توازن النظام البيئي وبقائه، وبدونها سيختلف النظام البيئي بشكل كبير أو يتلاشى تمامًا. هذه الأنواع هي حجر الأساس الذي يبنى عليه النظام البيئي، وتكمن أهميتها في أنها لو اختفت لا تستطيع كائنات أخرى أن تحل محلها. وغالبًا ما تكون هذه الأنواع من الحيوانات المفترسة، ولكن يوجد منها أيضًا أنواع من الفطريات والنباتات.
كان أول من صاغ مصطلح «الأنواع الرئيسية» عالم الأحياء الأمريكي روبرت باين في عام 1966، عندما لاحظ في دراسة له أن إزالة نجم البحر من البيئة المائية يسبب اختلالًا في توازنها؛ إذ سبب اختفاء نجم البحر سيطرة كبيرة لبلح البحر وكائنات أخرى، وتلا ذلك انخفاض نمو الطحالب القاعية الداعمة لكثير من الكائنات. وبعد مرور عام، لوحظ انخفاض تنوع الكائنات الحية في تلك المنطقة.
الذئاب الرمادية في يلوستون الكبرى في الولايات المتحدة مثال آخر على الدور المهم الذي تؤديه الأنواع الرئيسية. فتعمل الذئاب على التحكم جزئيًّا في أنواع الأيائل، وثور البيسون، والأرانب، والطيور في النظام البيئي الكبير في يلوستون. ويعد السلوك الغذائي لهذه الأنواع من الفرائس، وكذلك المكان الذي تختار أن تصنع فيه أعشاشها وجحورها، إلى حد كبير رد فعل لنشاط الذئاب.
الصورة من Freepik.
وفي آخر القرن التاسع عشر خصصت الحكومة الأمريكية أرضًا لمنتزه يلوستون الوطني، كانت الذئاب تتغذى فيه أساسًا على الأيائل والبيسون. وبسبب الخوف من تأثير الذئاب في تلك القطعان وفي الماشية المحلية بدأت الحكومة على المستوى المحلي ومستوى الولاية والمستوى الفيدرالي تقضي نهائيًّا على الذئاب حتى قُتل آخر صغار الذئاب المتبقية في يلوستون عام 1924. ونتيجة لإزالة أهم نوع أساسي مفترس بمنتزه يلوستون، انفجرت أعداد الأيائل فيه، وتنافست قطعان الأيائل على الموارد الغذائية؛ ما تسبب في انخفاض نمو النباتات والحشائش. وأثر هذا الرعي الجائر للأيائل في الأنواع الأخرى مثل الأسماك والطيور المغردة؛ إذ تعتمد هذه الحيوانات على النباتات ومنتجاتها للبقاء على قيد الحياة.
كذلك تأثرت الجغرافيا الطبيعية للنظام البيئي في يلوستون الكبرى بفقدان الذئاب والإفراط في رعي الأيائل اللاحق. فتآكلت ضفاف النهر لفشل نباتات الأراضي الرطبة في ترسيخ التربة، وارتفعت درجات حرارة البحيرات والأنهار بسبب عدم قدرة الأشجار والشجيرات على توفير مناطق مظللة. ومع بداية تسعينيات القرن الماضي، بدأت الحكومة الأمريكية تعيد إدخال الذئاب إلى النظام البيئي في يلوستون الكبرى، وكانت النتائج جديرة بالملاحظة. فقد تقلصت أعداد الأيائل، وزادت ارتفاعات نباتات الصفصاف، وازدادت أعداد القندس والطيور المغردة.
بالإضافة إلى الأمثلة السابقة توجد أنواع رئيسية أخرى مهمة لبقاء الأنظمة البيئية، تعرف بمهندسي النظام البيئي؛ وهي الأنواع التي تنشئ الموائل البيئية أو تدمرها أو تحافظ عليها –الموائل مناطق بيئية تعيش فيها أنواع معينة من الحيوانات أو النباتات– إذ تنشئ هذه الأنواع ظروفًا فريدة تتيح للأنواع الأخرى الاستفادة منها، مثل المأوى المناسب أو مصادر الغذاء. وعلى الرغم من أن أنشطة بعض مهندسي البيئة تلحق الضرر بالبيئة في بعض الأحيان، فأغلبها يكون داعمًا لبقاء الأنواع الأخرى. ومن أمثلتها الأفيال، التي تعد من الأنواع الرئيسية التي تتغذى على العشب والشجيرات، فتقلص وجودها وتسمح بنمو الأعشاب التي تحافظ على وجود حيوانات الرعي كالظباء والحمر الوحشية.
وتوجد أمثلة أخرى لأنواع أساسية مفترسة تحافظ على النظام البيئي، مثل ثعالب البحر التي تحافظ على وجود قنافذ البحر، التي تتغذى على أعشاب البحر والطحالب. وتحافظ ثعالب البحر على تجمعات قنافذ البحر تحت السيطرة؛ ما يسمح بالنمو الكافي لأعشاب البحر لتظل موطنًا لمجموعة متنوعة من الأنواع البحرية الأخرى؛ وبذلك يتم الحفاظ على توازن النظام البيئي بأكمله. أما في البيئات الأرضية، فيعمل النمل الناري مفترسًا أساسيًّا يقلل أعداد أنواع المفصليات التي يمكن أن تكون ضارة بالنباتات الزراعية.
الصورة من Freepik.
بالإضافة إلى كل ما سبق ذكره، توجد ظاهرة مهمة جدًّا تحافظ على توازن النظام البيئي؛ وهي ظاهرة التعاضد أو تبادل المنفعة. وفيها يؤثر التغيير الذي يحدث لنوع معين من الأنواع الرئيسية في النظام البيئي في أنواع أخرى بل في النظام بأكمله. فهناك أنواع من الطيور الطنانة في أمريكا الجنوبية تتبادل المنفعة مع النباتات المحلية إذ تلقح النباتات، وفي المقابل توفر هذه النباتات الرحيق السكري الذي هو غذاء رئيسي لهذه الطيور.
وباستثناء هذا النوع تحديدًا من الطيور لا يوجد ملقح آخر قادر على مهمة تلقيح هذه النباتات؛ ما يعد تهديدًا لها.
هكذا تتضح مدى أهمية الأنواع الرئيسية وأهمية الحفاظ عليها في الاستدامة طويلة المدى للنظم البيئية التي تعيش فيها وحفظ هيكلها ووظيفتها.
المراجع
nationalgeographic.org
nature.com
treehugger.com
هذ المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في مجلة كوكب العلم، عدد ربيع 2022 «النظم البيئية والحياة: على اليابسة»