تعد الحواس الخمسة بواباتنا إلى العالم الخارجي؛ فهي الطريقة الوحيدة التي من خلالها نستطيع الإحساس بما يحدث من حولنا. ونعتقد أن حواسنا دائمًا ما تظهر لنا الحقيقة، غير أنها تخوننا في بعض الأحيان.
فعندما تستيقظ في الصباح، ماذا تتوقع أن ترى؟ بالطبع تتوقع أن ترى مشهدًا طبيعيًّا؛ وهو غالبًا شكل غرفتك من الداخل. وطالما أن غرفتك ليست في حالة فوضى عارمة أو لم تحدث كارثة طبيعية أثناء نومك، فيجب أن يكون كل شيء طبيعيًّا في الصباح. ولكن بالنسبة لأمثالي من الناس، فالأمر لا يكون كذلك في معظم الأحيان.
بصفتي شخصًا يعد النوم أهم جزء في يومه، فمن غير الطبيعي أن تأتي أيام أخشى فيها النوم. فبعض الناس ترى كوابيس، ولكن ما يطمئنهم أنهم عندما يستيقظون يكون كل شيء على ما يرام. ولسوء الحظ، فأنا أستيقظ وأرى أحلامي أمامي.
ساحرة تركب ظهرك
يبدأ الأمر بإحساس بالوخز؛ فلا تستطيع تحريك رجليك أو ذراعيك، وتشعر أنك مشلول. ترى غرفتك بوضوح ولكنك غير قادر على الكلام؛ تريد أن تصرخ طلبًا للمساعدة، ولكنك لا تستطيع. فهناك روح منذرة بالسوء في الغرفة؛ ويمكنك رؤيتها أو سماعها، وقد تشعر بأنها سوف تنقض عليك وربما تخطفك. بل يمكن أن تجلس على ظهرك وتخنق أنفاسك.
كم من الوقت سيتعين عليك البقاء هكذا؟ ما هي تلك الروح الشريرة وماذا تريد أن تفعل بك؟ ألن ينتهي هذا الشعور بالشلل أبدًا؟ بلى سينتهي في دقائق قليلة؛ كل شيء على ما يرام الآن، لكن ماذا كان ذلك؟ إنها حالة تعرف باسم "شلل النوم".
يؤثر شلل النوم – وهو حالة أكثر شيوعًا بين الناس مما تتصور – على حوالي 6% من التعداد العام للسكان، وهي واحدة من بين عدة ظواهر تحدث خلال فترة "التنويم"؛ وهي الفترة ما بين اليقظة والنوم أو العكس. وتحدث هذه الحالة إما وأنت في بداية النوم وإما وأنت تستيقظ؛ وذلك بسبب خلل في إحدى مراحل النوم التي تعرف باسم حركة العين السريعة.
ومرحلة حركة العين السريعة من النوم هي المرحلة التي نرى فيها الأحلام. ولحمايتك من تمثيل تلك الأحلام وإيذاء نفسك، يقوم جهازك العصبي بإبطال معظم عضلاتك في تلك المرحلة عن طريق تعطيل إفراز ناقلات عصبية معينة. وغياب تلك الناقلات العصبية يتركك في حالة شلل تام تعرف باسم "خدر مرحلة حركة العين السريعة".
وعادةً، عندما تستيقظ يخرج جسمك من حالة خدر مرحلة حركة العين السريعة، وتستطيع التحرك مجددًا. ولكن في حالة شلل النوم تستيقظ، ولكنك تظل في مرحلة حركة العين السريعة بشكل جزئي. فتتداخل مرحلتا النوم واليقظة، مما يترتب عليه استغراق جسمك وقتًا أطول من المتوقع لإطلاق الناقلات العصبية، والتي يؤدي غيابها إلى إصابتك بالشلل.
هكذا تبدأ نوبة شلل النوم. وبعيدًا عن الشلل، ففي الغالب سوف تهذي، وتشعر بالقليل من الخطر، أو تتخيل وجود شيء ثقيل يجثم على كاهلك ويقوم بخنقك. حتى أن بعض الأشخاص يتخيلون أن أرواحهم تترك أجسادهم وتطفو فوقها.
وتصيبني تلك الحالة منذ أن كنت صغيرًا؛ ولكنني لم أفهم ما هي حتى وقت قريب. وبفضل شبكة الإنترنت، أعرف الآن ما هي وكيف تحدث، وأعلم جيدًا ما السلوك الذي يزيد من تفاقمها.
فأولاً، تزيد حالة شلل النوم بفعل الضغط والنوم غير المنتظم. ثانيًا، تزيد تلك الحالة عندما تكون نائمًا على ظهرك. ثالثًا، يمكن أن تحدث أيضًا بسبب الإسراف في شرب المنشطات مثل القهوة. وفي النهاية، اكتشف العلماء أن تلك الحالة تحدث للكثير منَّا بسبب أسباب جينية بحتة.
وقد تم اكتشاف حالة شلل النوم وتسجيلها حول العالم وعلى مر التاريخ. ودائمًا ما كان يتم تفسيرها تفسيرات خارقة للعادة؛ مثل السحر والمس الشيطاني. والتفسير الأكثر شيوعًا لتلك الحالة هو أن روحًا شريرة تقوم بخنق الشخص النائم على ظهره؛ وقد أطلق على تلك الروح مسمى "مير" – أو المهرة - ومن هنا تم اشتقاق كلمة كابوس باللغة الإنجليزية - "نايت مير" أو مهرة الليل. وفي اللغة العربية، يطلق عليها "الجاثوم"، كما تطلق بعض حضارات إفريقيا وأمريكا الجنوبية على تلك الظاهرة اسم "الساحرة التي تركب ظهرك".
صباح ساحر أوز
هناك شكل آخر من أشكال الهلاوس التي تحدث أثناء النوم، والتي تحدث بسبب ظاهرة بصرية لا تنطوي على الشلل. تعرف تلك الظاهرة باسم "الفوسفينات"، وأعراضها هي رؤية ضوء، وبالتالي رؤية صور، بينما في الحقيقة لا يوجد شيء البتة؛ فمن الممكن أن ترى أشياء غير موجودة في الواقع.
تظهر الفوسفينات في الظروف العادية عندما تغمض عينيك وتضغط على جفنيك؛ فترى حينها أشياء تتحرك أمامك. كما يمكن أن ترى نجومًا عندما تعطس أو إذا قمت مسرعًا؛ تلك الحالات تعتبر الأعراض النموذجية الفوسفينات. أما الأعراض غير المتوقعة التي يمكن أن تحدث، فهي أن ترى تلك الأشياء عندما تستيقظ.
ويمكن أن تتخذ تلك التهيؤات أي شكل يتخيله مخك: نقطة صغيرة داكنة، أو صورة ملونة ومفصلة مأخوذة من عالم ساحر أوز الخيالي. وفي هذه الحالة، لا تصاب بالشلل، ولا يضغط شيء على ظهرك، بل ويمكنك أيضًا النهوض بشكل طبيعي. وهذه الظاهرة لا تستغرق وقتًا طويلاً، كما أنك لن تصاب بالذعر كما يحدث لك أثناء شلل النوم.
اضطراب النوم
إن رؤية الأشياء غير الموجودة ليست كل ما يمكن أن يحدث لكل شخص خلال فترة التنويم؛ فتوجد حالات شائعة أخرى يسمع فيها الناس أصواتًا. هل ذهبت يومًا لتنام وسمعت صوتًا وكأن شخصًا يناديك؟ هل يصاحب ذلك الإحساس شعور بأنك تسقط، ومن ثمَّ تستيقظ؟
تحدث الهلاوس السمعية أثناء شروعك في النوم، وتتفاوت ما بين الموسيقى الخفيفة حتى صوت تحطم أو فرقعة، أو محادثة بالطبع. فهناك ظاهرة مرتبطة بالتنويم وهي الرعشة النومية. وتشبه الحلم الذي ترى فيه نفسك تسقط وتستيقظ قبل الارتطام بالأرض، فيما عدا أنها تحدث عادةً عندما توشك على الانغماس في النوم؛ فينتفض جسمك حتى تستيقظ.
وليس من المعروف لماذا تحدث الرعشة النومية، ولكن توجد نظرية حول ذلك. فعند الانغماس في النوم، يختبر جسمك بعض التغيرات؛ حيث يأخذ نفسك شكلًا إيقاعيًّا وتنخفض درجة حرارة جسدك، كما تبدأ عضلاتك في الارتخاء. وهذه الحالة لا تشبه حالة الشلل التي تصيبك عندما تختبر حالة حركة العين السريعة؛ ففي الواقع، تلك التغيرات مشابهة كثيرًا لما يحدث لشخص ما يسقط. وتقترح النظرية أن تلك الحالة تخدع مخك وتجعله يظن أنك تسقط بالفعل مما يجعله يوقظك مفزوعًا.
إنه لعالم مخيف ذلك الذي نعيش فيه بكل تلك الأمراض والأسباب التي قد تؤدي إلى الإصابة بالهلاوس؛ فقد يبدو غريبًا أن كثيرًا منَّا يعيش حياة طبيعية. فقد تصاب بالجنون لمجرد التفكير في الأمراض التي يمكن أن تصيب عقلك. لذلك، فبدلاً من القلق دع الأمر؛ فإذا كان من المقدر لشيء أن يحدث، فسيحدث وسوف تستطيع التعامل معه عند حدوثه.
المراجع
www.wisegeek.com
www.schizophrenic.com
www.huffingtonpost.com
www.mentalhealth.org.uk
هذ المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في نشرة مركز القبة السماوية العلمي، عدد صيف 2013.
Cover image source: @BinauralniT on X