تعد الحواس الخمسة بواباتنا إلى العالم الخارجي؛ فهي الطريقة الوحيدة التي من خلالها نستطيع الإحساس بما يحدث من حولنا. ونعتقد أن حواسنا دائمًا ما تظهر لنا الحقيقة، غير أنها تخوننا في بعض الأحيان.
فعندما تستيقظ في الصباح، ماذا تتوقع أن ترى؟ بالطبع تتوقع أن ترى مشهدًا طبيعيًّا؛ وهو غالبًا شكل غرفتك من الداخل. وطالما أن غرفتك ليست في حالة فوضى عارمة أو لم تحدث كارثة طبيعية أثناء نومك، فيجب أن يكون كل شيء طبيعيًّا في الصباح. ولكن بالنسبة لأمثالي من الناس، فالأمر لا يكون كذلك في معظم الأحيان.
إن الشيء المطمئن حول ما ذكر من هلاوس تنويمية هو أنها تحدث وقت النوم. فعندما تكون مستيقظًا وفي طريقك للعمل، فغالبًا ما ستخبر نفسك أن ذلك لم يكن سوى مجرد حلم بسيط، ومن ثمَّ سوف تنساه؛ فعلى كل حال لن يتعارض مع حياتك وأنت يقظ. ولكن، ماذا لو خدعتك حواسك حتى وأنت مستيقظ؟
رؤية أشياء ليست موجودة
إذا كنت قد شاهدت فيلم "عقل جميل" (A Beautiful Mind)، فمن المؤكد أنك تعرف ماهية هلاوس اليقظة، ولكن من وجهة نظر سينمائية بالطبع. فبدلاً من رؤية الصور والأحداث المرتبطة بالنوم تمر بسرعة أمام عينيك، تحدث تلك الهلاوس وأنت يقظ تمامًا ويمكن أن تكون لها عواقب كارثية. والمذنب الأكثر شيوعًا وراء تلك الهلاوس هو الفصام؛ وهي حالة من الخلل العقلي تصيب حوالي 24 مليون شخص حول العالم منذ عام 2011.
إلا أن المصابين بالفصام الذين تصيبهم الهلاوس لديهم فرصة أفضل للشفاء عن غير المصابين بها. فالحقيقة أن الهلاوس ليست بالشيء الطبيعي الذي يمكن أن تختبره إذا كنت بكامل قواك العقلية مما يجعل المصابين بها أكثر قدرة على التخلص منها؛ فهي ليست بالشيء العادي الذي يمكن تقبله والتعايش معه.
في حين أن المصابين بالفصام الذين يعانون من الاكتئاب، والتوتر، والمشكلات العاطفية - وليس الهلاوس - هم من يواجهون صعوبة في الشفاء. ويرجع ذلك إلى أن تلك الأعراض تعد شيئًا طبيعيًّا اختبروه من قبل، وبالتالي فهي لا تعد أعراضًا شاذة.
وقد يظن مصابو الفصام أن الهلاوس التي يرونها حقيقية؛ حتى وإن أخبرناهم أن تلك الهلاوس لا وجود لها فلن يصدقوا ذلك. ويرجع ذلك إلى أن عقلهم الباطن يعتقد أنهم يرون تلك الأشياء ويسمعونها بالفعل. ولكن، الأمر الغريب هو عندما تصاب بالهلاوس وأنت تتمتع بصحة عقلية وتعرف أنها غير حقيقية.
ففي عام 1926، قام دكتور الأعصاب الفرنسي جون ليرميت بتشخيص أول حالة اضطراب عصبي يعرف باسم "الهلاس السويقي". فقد أخبرته مريضته ذات اﻟ76 عامًا أنها ترى صورًا لأناس يرتدون ملابس زاهية الألوان، وهم في الواقع لا وجود لهم. ولم تكن على تلك السيدة أية علامة من علامات الاضطراب العقلي، وكانت ترى تلك الهلاوس وهي واعية تمامًا.
وحالة الهلاس السويقي لا تعتبر حالة من حالات الاضطراب العقلي، ولكنها حالة عصبية بحتة. فما يحدث هو أن مناطق معينة مرتبطة بالبصر بجهازك العصبي تبدأ في تكوين جروح – وهي شكل من أشكال ضرر الأنسجة – مما يخل بأدائها لوظيفتها. وفي معظم الحالات، يكون المريض على علم بأن تلك الهلاوس ليست طبيعية، ولا يصاب بالذهان.
سماع أصوات ليست موجودة
في رأس كلٍّ منَّا صوت؛ فبينما تقرأ تلك المقالة فأنت لا تحرك شفتَيك ولكنك تقرأها من خلال ذلك الصوت. وأحيانًا نتحدث مع أنفسنا عند اتخاذ قرار هام، ولكن في النهاية فنحن نعلم أن كل ذلك يحدث بداخلنا.
فإذا أخبرك الصوت الذي برأسك أن تفعل شيئًا ما فسوف تقوم به؛ لأنك تعلم أنك أنت الذي تفكر فيه؛ أليس كذلك؟ فكيف لك أن تتأكد أن الصوت الذي يتحدث في رأسك هو صوتك أنت؟ ماذا لو بدأت في الاستماع لشخص آخر يتحدث داخل رأسك؟ صوت قد يحثك على فعل أشياء بشعة؟
ولا يدل ذلك بالضرورة على أي شكل من أشكال الخلل العقلي؛ فهو شيء أكد كثيرون أنهم تعرضوا له على الأقل مرة خلال حياتهم. وقد أظهرت الأبحاث أن هناك الكثير من الناس يتعايشون مع تلك الظاهرة طوال حياتهم دون الحاجة إلى العلاج. حتى أن البعض يجد أن تلك الأصوات مريحة وملهمة؛ ولكنهم يتفقون على أن ذلك الصوت ليس صوتهم، وأنهم يستمعون إليه على أنه صوت شخص آخر "بداخلهم" يتحدث إليهم.
ولكن سامعو الأصوات - كما يطلق عليهم متخصصو الصحة العقلية - يمكن أن تكون تجربتهم أصعب من غيرهم. فقد يشرع الصوت في إملاء الأوامر عليهم، وقد تكون تلك الأوامر خطرة على الشخص الذي يستمع إليها والأشخاص المحيطين به. ولقد استُخدِمَت تلك الحجة كدفاع في كثير من الجرائم؛ حيث يزعم المتهم أنه كان يستمع لصوت في رأسه يطلب منه القيام بالجريمة.
فقد تم اغتيال جون لينون - وهي إحدى الجرائم الأكثر شهرة على الإطلاق - على يد رجل يدعى مارك شابمان. وكان شابمان قد قرأ كتابًا بعنوان "الماسك في حقل الشوفان" (The Catcher in the Rye)؛ فكان يمسكه في يده في اليوم الذي قام فيه باغتيال لينون. وقد جلس مارك أمام منزل لينون لساعات حتى ظهر، ثم قام بإطلاق النار عليه أربع مرات. ويبدو أنه كان يعتقد أن بطل الكتاب كان يتحدث إليه، وقد قال خلال مقابلة صحفية أنه كان هناك صوت يخبره بأن "يفعلها".
إنه لعالم مخيف ذلك الذي نعيش فيه بكل تلك الأمراض والأسباب التي قد تؤدي إلى الإصابة بالهلاوس؛ فقد يبدو غريبًا أن كثيرًا منَّا يعيش حياة طبيعية. فقد تصاب بالجنون لمجرد التفكير في الأمراض التي يمكن أن تصيب عقلك. لذلك، فبدلاً من القلق دع الأمر؛ فإذا كان من المقدر لشيء أن يحدث، فسيحدث وسوف تستطيع التعامل معه عند حدوثه.
المراجع
www.wisegeek.com
www.schizophrenic.com
www.huffingtonpost.com
www.mentalhealth.org.uk
هذ المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في نشرة مركز القبة السماوية العلمي، عدد صيف 2013.
Cover image by rawpixel.com on Freepik