دعني أصف لك مشهدًا مألوفًا. بعد يومٍ طويل، تتوقف عند السوبرماركت وأنت في طريقك إلى المنزل، وتدخل مسرعًا لشراء بعض الأغراض. تشتري عشرة أصناف من الأطعمة الطازجة، وتضع كل منها في كيس بلاستيكي منفصل لتزنه، ثم تضعها جميعًا في عربة التسوق. بعدها تتجه إلى قسم اللحوم وتختار من بين الأصناف المعبئة في أطباق الفلين وبلاستيك التغليف. ثم تتوقف لشراء بعض البهارات، كل منها في حاوية بلاستيكية صغيرة. وبعد أن ملأت عربة التسوق بمنتجات معبئة في أكياس بلاستيكية، يسجل موظف الخزينة أسعارها ثم يعطيك بعض الأكياس البلاستيكية الإضافية لتحمل مشترياتك داخلها.
تصل إلى المنزل وتبدأ تفريغ مشترياتك والتخلص من الأكياس والحاويات البلاستيكية في سلة المهملات. وفي حين أن تلك الأكياس قد أنتجت في مصنع يستهلك الموارد ويلوث البيئة، فقد استُخدمت تلك الأكياس لمرة واحدة فقط ولفترة ساعة واحدة أو أقل، وهو وقت أقصر بكثير من فترة تأثيرها في البيئة. وبعد وقت قصير، سينتهي بها المطاف إلى مثواها الأخير –مقلب النفايات– وهو مكان لا تفكر فيه كثيرًا. فهل فكرت يومًا كم من الوقت تبقى المنتجات البلاستيكية التي تتخلص منها في مقالب النفايات؟ إنها تظل هناك لفترة أطول من عمر الإنسان!
وجميعنا نعلم أن البلاستيك له أضرار جسيمة على صحتنا، بل وعلى صحة كوكبنا أيضًا. تُقدَّر كمية البلاستيك التي ينتجها البشر سنويًّا بأكثر من 430 مليون طن! ومن المتوقع أن يتضاعف إنتاج البلاستيك ثلاث مرات بحلول عام 2060 إذا استمرينا على الوتيرة نفسه. وهذا أمر مثير للقلق، لأن الأمر ينتهي بالغالبية العظمى من هذا البلاستيك إلى مقالب النفايات والمحيطات والأنهار، بل وقد تجد المخلفات البلاستيكية طريقها إلى سلاسل الغذاء لتصل بذلك إلى داخل أجسامنا.
دفع هذا المسار الشائك قرابة 170 دولة للاتفاق على وضع اتفاقية دولية ملزمة قانونيًّا للقضاء على التلوث البلاستيكي. وقد قطعت تلك الدول قرابة نصف الطريق؛ حيث تحددت مواعيد خمسة اجتماعات يتناقش فيها موفدون من الدول والشركات والنشطاء في بنود الاتفاقية. هذا وقد أقيم اجتماعان من الخمسة بالفعل، وسيقام الاجتماع التالي في نيروبي، كينيا، بحلول نهاية عام 2023 بمقر برنامج الأمم المتحدة للبيئة. وقد تحددت نهاية عام 2024 موعدًا لإعداد النسخة النهائية من الاتفاقية.
هذا وتُعوَّل آمال كبيرة على تحالف تلك الحكومات الطموحة التي ترغب في القضاء على التلوث البلاستيكي بحلول عام 2040. فهي تهدف إلى تقليل إنتاج البلاستيك بدرجة كبيرة، وكذلك الحد من المواد الكيميائية المستخدمة في تصنيعه. ولكن هناك أطراف أخرى تود التركيز على إعادة تدوير البلاستيك بدلًا من تقليل إنتاجه. ولهذا يقلق الناشطون من أن تعيق الدول المنتجة للنفط وصناعات الوقود الأحفوري إتمام الاتفاقية أو أن تضعف بنودها، ولكن علينا الانتظار لمعرفة ما ستؤول إليه الأمور. لنأمل أن يضع العاملون على تطوير الاتفاقية مصلحة الكوكب نصب أعينهم ويعطونها الأولوية.
وفي حين أنه من المهم أن تتحرك الحكومات والشركات للتصدي للتلوث البلاستيكي، فهناك حاجة إلى أن نفعل نحن الأفراد الشيء نفسه في ممارساتنا اليومية. تتمثل الخطوة الأولى في الوعي بكمية البلاستيك التي نستخدمها والبدء في اتخاذ خطوات تغيير إيجابية متى أمكن ذلك. نحتاج إلى إعادة النظر في عاداتنا اليومية وفي استخداماتنا للبلاستيك أحادي الاستخدام والتحول إلى البدائل الأكثر استدامة (اقرأ سلسلة «التحول إلى الأخضر»). إننا شركاء في هذه المشكلة؛ وإن أردنا إحداث التغيير فلابد أن نكون جزءًا من الحل.
المراجع
pbs.org
reuters.com